
ديفيد شينكر
في 13 كانون الثاني، عُيِّن الأكاديمي والدبلوماسي والحقوقي السابق نواف سلام رئيسًا للوزراء في لبنان، ليحل مكان الملياردير الحالي نجيب ميقاتي الذي تولى المنصب ثلاث مرات. قبلها بأربعة أيام، اختار البرلمان قائد القوات المسلحة اللبنانية جوزاف عون رئيسًا، ليشغل المنصب الشاغر منذ تشرين الأول 2022.
كثيرون في لبنان والخارج، يشيدون بهذا الفريق الجديد باعتباره استراحة مرحب بها من الوضع الراهن غير السليم وبداية نهاية الكابوس الوطني الطويل الذي يعيشه لبنان. على سبيل المثال، وصف المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين “تعيين” عون بأنه “خطوة نحو السلام والأمن والاستقرار”، بينما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيمهد الطريق “للإصلاح واستعادة سيادة لبنان وازدهاره”.
إن عون وسلام يمثلان بالفعل انحرافاً عن العمل المعتاد. ومع ذلك فإن التحديات التي تواجه لبنان تظل كبيرة، وسوف يكون الاختبار الحقيقي لكلا الزعيمين هو ترجمة الحماس الحالي إلى إصلاحات عملية ودائمة.
سجل عون في التعامل مع حزب الله
في كل الأحوال، لم يكن بوسع عون أن يفوز بالمنصب لولا سلسلة النكسات العسكرية التي ألحقتها إسرائيل بحزب الله، والتي تركت الجماعة بلا نفوذ محلي كاف لمواصلة احتكار اختيار الرئيس. وتشكل ترقيته تطوراً إيجابياً نظراً للدعم الشعبي الذي يحظى به في الداخل وتوجهه المؤيد لأميركا، وهو ما يشكل تناقضاً حاداً مع الولاءات السياسية الإشكالية والشخصية القذرة لبعض المرشحين الآخرين. ومع ذلك، لا يستطيع عون وحده أن يغير قواعد اللعبة. ففي لبنان، لا يتولى الرئيس السلطة التنفيذية وله دور محدود (وإن كان لا يزال مهماً) في تشكيل الحكومة وتعيين كبار المسؤولين.
إن الاختبار الأكثر أهمية لعون سيكون استعداده للاستفادة من هزيمة حزب الله في ساحة المعركة وفرض احتكار الدولة لحيازة واستخدام الأسلحة العسكرية.
خلال فترة ولايته التي استمرت سبع سنوات كقائد للقوات المسلحة اللبنانية، كان سجله في هذه القضايا مشكوكًا فيه. المثال البارز الوحيد لمواجهته لحزب الله حدث في عام 2021، عندما حرضت الجماعة على مواجهة عنيفة مع المسيحيين في الطيونة لتخويف المحققين الذين يحققون في انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
بخلاف ذلك، لم يوجه القوات المسلحة اللبنانية أبدًا لاتخاذ إجراءات مباشرة ضد الميليشيا. وبدلاً من ذلك، تعاونت القوات المسلحة باستمرار مع حزب الله، وغالبًا ما عرقلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) أثناء سعيها إلى تنفيذ تفويضها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 لإبعاد الأصول العسكرية غير القانونية عن الجنوب.
ومنذ انتخابه رئيساً للجمهورية، أصبح عون أكثر ميلاً إلى المبادرة في التعامل مع هذه القضية. ففي خطاب تنصيبه ، قال إنه سينفذ واجباته كقائد أعلى للقوات المسلحة من خلال “العمل على ضمان حق الدولة في احتكار الأسلحة” ــ وهو رد قوي على حزب الله والتزام بحكم الأمر الواقع بتنفيذ قراري مجلس الأمن 1701 و1559 (اللذين نصا على نزع سلاح حزب الله في بقية أنحاء لبنان)، كما تعهد بتأمين حدود لبنان، بما يتلاءم مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين حزب الله وإسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، تعهد عون بشكل لا لبس فيه بالإصلاح على نطاق واسع، ووعد بالدفع نحو استقلال القضاء، وإعطاء الأولوية “للكفاءة على المحسوبية” في التعيينات الإدارية، ومنع الاحتكارات في القطاع الخاص، وتعزيز الشفافية.
عقبات الفريق الجديد
لقد أدت الأحداث البارزة التي شهدتها الأشهر الأخيرة ــ من قطع رأس حزب الله على يد إسرائيل إلى الانهيار السريع لنظام الأسد ــ إلى إضعاف معسكر الوضع الراهن في بيروت وفتح الفرصة لنزع سلاح الميليشيات، وعكس الانهيار الاقتصادي الذي فرضته الدولة على نفسها، واستئصال الفساد، وإعادة بناء دولة فعّالة. وربما يكون فريق عون – سلام قادراً على تنفيذ هذه الرؤية المفعمة بالأمل. ولكن من الخطأ أن نتجاهل العقبات الكبيرة التي يواجهونها، بما في ذلك التهديد المستمر (وإن كان متضائلاً) المتمثل في عنف حزب الله والمصالح الراسخة التي لا تزال تسيطر على قدر كبير من النظام السياسي والاقتصادي في لبنان.
على سبيل المثال، كان عون يحتاج إلى أغلبية الثلثين في البرلمان للفوز بالرئاسة ــ وهي العتبة التي لم يكن بوسعه أن يصل إليها لولا أصوات حزب الله وحركة أمل، أو ما يسمى “الثنائي الشيعي”. ونظراً لهذا الاعتماد، فهل يكون قادراً على تعزيز نزع سلاح الميليشيات والإصلاح الاقتصادي ــ وهي السياسات التي تهدد بشكل مباشر مصالح هذا الثنائي؟ وما هي الوعود، إن وجدت، التي كان عليه أن يقدمها للفوز بأصواتهما؟
كما سيواجه سلام مشاكل مختلفة. فهو لم يكن يحتاج سوى إلى أغلبية بسيطة للفوز بمنصبه، وبالتالي سيكون أقل خضوعا لحزب الله في البرلمان. ولكن هذا يفترض أنه قادر على الخروج من عملية تشكيل الحكومة الشاقة بحكومة مستقلة إلى حد كاف. ولم يشغل سلام منصبا إداريا تنفيذيا بهذا الحجم من قبل، وسوف تواجه أجندته الإصلاحية معارضة شديدة وربما عنيفة في بعض الأوساط، خاصة إذا أيد نزع سلاح الميليشيات. وقد يواجه أيضا صعوبات مع الكونغرس الأميركي وإدارة ترامب القادمة بسبب سجله الطويل من التصويت المناهض لإسرائيل.
توصيات السياسة
إن عون وسلام يواجهان مهمة صعبة في الأشهر المقبلة. ومع ذلك، بالنظر إلى ما كانت عليه البلاد قبل عام واحد فقط، فإن بعض التفاؤل له ما يبرره. ومع تضاؤل نفوذ حزب الله وتشكيل فريق جديد ذي توجه إصلاحي، أصبحت بيروت في وضع أفضل للاستفادة من حسن النية المتزايد من جانب المجتمع الدولي وتأمين المساعدة اللازمة لإعادة بناء وتأهيل مؤسسات الدولة المدمرة.
وبوسع واشنطن أن تتخذ عدة خطوات ملموسة لتشجيع روح الإصلاح لدى القيادة الجديدة.
فبمجرد توليها السلطة، يتعين على إدارة ترامب أن تقدم مساعدات إضافية متواضعة للقوات المسلحة اللبنانية لمساعدتها على تنفيذ القرار 1701 في جنوب لبنان، وتسليم هذه الأموال على دفعات مشروطة بالأداء. وفي وقت لاحق، ينبغي أن تتدفق المزيد من الأموال الأميركية إذا بدأت بيروت في تنفيذ القرار 1559. وفي الوقت نفسه، ينبغي لواشنطن (وفرنسا) أن تواصلا المسار بشأن خطة الإنقاذ الاقتصادي المحتملة، والاستمرار في ربط حزمة صندوق النقد الدولي بتنفيذ بيروت الناجح للإصلاحات الاقتصادية. ولمساعدة عون وسلام على التغلب على المقاومة السياسية، ينبغي لإدارة ترامب أيضا أن تكون مستعدة لمعاقبة الجهات اللبنانية التي تعرقل عملية الإصلاح بسرعة.
لا شك أن أي حماس غير عقلاني إزاء هذه الفرصة لابد وأن يخفف من وطأته. ولكن اللحظة الحالية تدعو واشنطن أيضاً إلى التحلي بالجرأة والسعي إلى تحقيق عملية “الدعم والتحقق” التدريجية، ومساعدة عون وسلام في تنفيذ أجندتهما الطموحة للتغيير.