خاصسياسة

دور الانتخابات البلدية في النهوض بالمحليات

خاص – بيروت بوست

تشكّل موجة الأمل الجديدة التي أفرزها انتخاب الرئيس جوزيف عون والتطلعات التي أثارها خطاب تنصيبه، نقطة انطلاق حاسمة للتغيير. فقد ركّزت رؤيته، كما عبّر عنها في خطاب القسم، على إصلاحات الحوكمة والمساءلة ولبنان أقوى وأكثر مرونة. وتتمثل إحدى الطرق الحاسمة لترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس في اغتنام الفرصة التي تتيحها الانتخابات البلدية المقبلة لتنفيذ حلول متجذرة في المحلية والفيدرالية.

إن الناخبين اللبنانيين على مفترق طرق تاريخي. وعليهم أن يرتقوا إلى مستوى الحدث وأن ينتخبوا قادةً ليسوا مجرد متحصنين في الهيكليات السياسية التقليدية، بل حالمين وأصحاب رؤى قادرين على إحداث تغيير حقيقي. ومن خلال القيام بذلك، يمكنهم وضع الأساس لنموذج حكم لا مركزي يعزز الشفافية والمساءلة والتمكين المحلي. وتمثل هذه الانتخابات أكثر من مجرد عملية سياسية؛ فهي فرصة للتحول نحو حقبة جديدة من الحكم، حقبة تعطي الأولوية لاحتياجات المجتمعات المحلية وتعزز مبادئ الفيدرالية.

فالفدرالية هي نموذج حكم يوزع السلطة بين السلطات المركزية والسلطات المحلية، مما يمكّن الأقاليم من إدارة شؤونها الخاصة ضمن دولة موحدة. وبالنسبة للبنان، فإن تبني الفيدرالية يمكن أن يوفر حلاً لأوجه القصور السياسي والإداري القائمة منذ فترة طويلة.

إحدى أكثر الطرق فعالية لتمهيد الطريق أمام الفيدرالية هي الانتخابات البلدية التي تمكّن المجتمعات المحلية وتعزز المساءلة وتعزز الشفافية في الحكم. وتشكّل هذه الانتخابات خطوة أساسية نحو اللامركزية من خلال السماح للسلطات المحلية بتلبية الاحتياجات الخاصة لمجتمعاتها مع تعزيز الوحدة الوطنية.

فالانتخابات البلدية خطوة حاسمة ومسار حاسم نحو الفيدرالية لأنها ترسخ الحكم المحلي كنظام شرعي وعملي. فمن خلال هذه الانتخابات، يكون للمواطنين رأي مباشر في اختيار القادة المسؤولين عن إدارة بلدياتهم بفعالية. هذا النهج التشاركي يعزز القيم الديمقراطية ويسلط الضوء على مزايا اللامركزية في صنع القرار.

وتتمثل إحدى أهم مزايا الحكم البلدي في قدرته على زيادة الوعي العام بفوائد النظام المحلي. فالنظام البلدي الذي يعمل بشكل جيد يعمل على توعية المواطنين بأهمية الحكم المحلي، بما في ذلك:

– القدرة على تطوير وإدارة مشاريع مصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات المحلية.
– تعزيز التدابير الأمنية على مستوى البلديات، بما يضمن السلامة العامة والاستقرار المجتمعي.
– إنشاء آليات لمراقبة المسؤولين المحليين، وتعزيز مساءلتهم أمام الناخبين.
– إظهار التناقض بين الحكم المحلي الخاضع للمساءلة والإدارة الحكومية المركزية غير الخاضعة للمساءلة.
– ضمان استخدام أموال دافعي الضرائب بكفاءة في المشاريع المحلية التي تعود بالنفع المباشر على المجتمعات المحلية، مما يزيد من ثقة الجمهور في الحكم.

يجب على المواطنين اللبنانيين تجاوز الديناميكيات التقليدية للولاءات السياسية والمنافسات العائلية واغتنام الفرصة التي أتاحتها الانتخابات البلدية لهذا العام للانتقال نحو الفيدرالية. ويتطلب هذا التحول إعطاء الأولوية للحكم المحلي وفوائده على الممارسات القديمة التي أعاقت التقدم تاريخياً. ومن خلال تبني عقلية جديدة تركز على الحوكمة الفعالة، يمكن للبلديات تطوير أنظمة قوية تعزز مجتمعاتها وتحقق الازدهار على المدى الطويل.

فالفيدرالية لا تعزز البلديات الفردية فحسب، بل تعزز أيضاً التعاون بين القرى والبلدات المجاورة. فعندما تبدأ البلديات في العمل باستقلالية أكبر، ستشكل بطبيعة الحال تحالفات إقليمية تتشارك فيها الموارد والخبرات وأفضل الممارسات. هذا النهج التعاوني سيخلق تدريجياً نظاماً محلياً يقرّب لبنان خطوة أخرى من الفيدرالية وفوائدها العديدة. على سبيل المثال:
– يمكن للبلديات المتجاورة أن تستثمر بشكل مشترك في مرافق معالجة النفايات والمشاريع البيئية، مما يقلل التكاليف ويزيد من الكفاءة.
– يمكن للخدمات المشتركة، مثل فرق الاستجابة لحالات الطوارئ والدوريات الأمنية، تحسين السلامة والفعالية في مناطق متعددة.
– كما يمكن إقامة شراكات اقتصادية لجذب استثمارات المغتربين والتمويل الدولي، مما يضمن أن تخدم مشاريع التنمية مجتمعات متعددة بدلاً من القرى المعزولة في البلاد.

ومن خلال تعزيز هذا التعاون بين البلديات، يمكن للبنان تطوير نموذج حكم لا مركزي ولكن مترابط، مما يهيئ البلاد للانتقال الكامل إلى النظام الفيدرالي.

تتمثل إحدى المزايا الهامة للفيدرالية في قدرتها على تعزيز آليات الأمن والاستجابة للطوارئ على المستوى المحلي. فغالباً ما تعاني قوات الأمن المركزية من التأخر في أوقات الاستجابة، وعدم الكفاءة، وعدم المشاركة المجتمعية المباشرة. في المقابل، يمكن للحكومات البلدية تنفيذ تدابير أمنية محلية أكثر استباقية وفعالية وخضوعاً للمساءلة.

وتشمل المجالات الرئيسية التي يمكن للحكومات المحلية أن تحسّن فيها خدمات السلامة والطوارئ بشكل كبير ما يلي:
– قوات الشرطة المحلية: تضمن الشرطة المجتمعية أن يكون ضباط إنفاذ القانون على دراية بمناطقهم، مما يسمح بأوقات استجابة أسرع، واستراتيجيات أفضل لمنع الجريمة، وعلاقات أقوى مع السكان.
– خدمات مكافحة الحرائق: يمكن لإدارات الإطفاء البلدية أن تنشئ استجابات أسرع وأكثر تنسيقاً للحرائق، مما يمنع الكوارث التي يمكن أن تنتشر بسبب التأخير في فرق الاستجابة المركزية.
– الاستجابة الطبية الأولية في حالات الطوارئ: يمكن للفرق الطبية المدارة محلياً أن تتمركز بشكل استراتيجي داخل البلديات، مما يقلل من أوقات الانتظار للحصول على المساعدة الطبية الحرجة.
– حراس الغابات والسلامة البيئية: في المناطق المعرضة لحرائق الغابات، يمكن لمارشالات الغابات في البلديات مراقبة حرائق الغابات ومنع نشوبها بشكل فعال، بالتعاون مع خبراء البيئة والسلطات المحلية.

ومن خلال تحقيق اللامركزية في خدمات الأمن والطوارئ، تمكّن الفيدرالية المجتمعات المحلية من تولي مسؤولية سلامتها ورفاهيتها، مما يضمن تخصيص الموارد بكفاءة، وتجهيز فرق الاستجابة بشكل جيد للتعامل مع الأزمات.

ومن الجوانب المهمة الأخرى للحوكمة البلدية قدرتها على جذب الاستثمارات من المغتربين اللبنانيين والشركاء الدوليين على حد سواء، وتعزيز الاقتصادات المحلية. ومن خلال القيادة الصحيحة والتخطيط الاستراتيجي، يمكن للبلديات أن تتعاون مع المستثمرين الأجانب والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات المحلية لتمويل مشاريع البنية التحتية الأساسية. وتشمل بعض المجالات الرئيسية التي يمكن توجيه الاستثمارات إليها ما يلي:
– إدارة النفايات ومعالجتها: يمكن للمبادرات السليمة للتخلص من النفايات وإعادة تدويرها أن تحسن بشكل كبير الصحة العامة والظروف البيئية.
– البنية التحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي: يمكن أن يؤدي تطوير أنظمة الصرف الصحي إلى الحد من التلوث وتعزيز الصرف الصحي ومنع المخاطر الصحية.

– مشاريع الطاقة المتجددة: يمكن أن تقلل الاستثمارات في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من الاعتماد على الشبكات الوطنية غير الموثوقة وتوفر حلولاً مستدامة للطاقة.
– مشاريع الاستدامة البيئية: تساهم مبادرات مثل إعادة التشجير ومشاريع المياه النظيفة وتدابير الحد من تلوث الهواء في تعزيز صحة المجتمعات.

ومن خلال منح البلديات سلطة إدارة مثل هذه المشاريع، يمكن للفيدرالية أن تطلق العنان للإمكانات الاقتصادية على المستوى المحلي. يمكن لمسؤولي البلديات، بالتعاون مع أصحاب المصلحة في القطاع الخاص، وضع سياسات محلية تجذب الاستثمارات المستدامة، مما يعزز في نهاية المطاف النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

في الختام، تعتبر الانتخابات البلدية خطوة أساسية نحو إنشاء نظام حكم اتحادي في لبنان. فمن خلال تمكين المحليات، وزيادة المساءلة، وضمان الشفافية في استخدام أموال دافعي الضرائب، وجذب الاستثمارات الاستراتيجية، يمكن للبلديات أن تثبت فعالية الحوكمة اللامركزية.
وعلاوة على ذلك، ومع تعاون البلديات المتجاورة، سيظهر بشكل طبيعي هيكل حوكمة إقليمية، مما يجعل لبنان أقرب إلى النموذج الاتحادي. كما أن تعزيز الأمن المحلي والاستجابة لحالات الطوارئ والشرطة المجتمعية سيعزز مزايا اللامركزية، مما يثبت أن الحكم المحلي أكثر كفاءة من الإدارة المركزية.

يجب أن يدرك المواطنون اللبنانيون أن الانتخابات البلدية هي أكثر من مجرد حدث سياسي، فهي تمثل فرصة لإعادة تشكيل الحكم في البلاد وإنشاء نظام يعطي الأولوية للاحتياجات المحلية. ومن خلال المشاركة الفعالة في الحكم البلدي، يمكن للبنان أن يخطو خطوة مهمة نحو مستقبل مستدام وآمن ومزدهر في ظل نموذج اتحادي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى