
خاص – بيروت بوست – واشنطن
سلّطت التقارير الأخيرة في وسائل الإعلام اللبنانية الضوء على المناقشات الجارية بين الرئاسة اللبنانية وحزب الله، حيث أكد الرئيس نفسه أن هناك بالفعل محادثات تجري مع الحزب. ومن بين الجوانب الأكثر إثارة للجدل في هذه المناقشات ما يشاع عن اقتراح دمج حزب الله في الجيش اللبناني. وقد أشعلت هذه التطورات الجدل من جديد حول الاختلالات الهيكلية والطائفية في النظامين السياسي والعسكري الحاليين في لبنان، ورفعت من شأن الفيدرالية كنموذج بديل واعد قد يوفر الاستقرار والشمولية والأمن للمجتمع اللبناني المتنوع.
اختلال التوازن الطائفي في الجيش اللبناني
من المشاكل الصارخة داخل الجيش اللبناني اليوم اختلال التوازن الطائفي، لا سيما في صفوف الوحدات القتالية. إذ تشير التقارير إلى أن المسيحيين لا يشكلون سوى 1% من هذه الوحدات، وهو رقم مقلق في بلد يقوم فيه النظام السياسي على تقاسم السلطة على أساس طائفي. ويقوّض هذا التمثيل الناقص الطابع الوطني للجيش ويقلل من الثقة في دوره كمؤسسة موحدة.
بل إن الخلل أكثر وضوحاً داخل سلك الضباط. ففي حين أن الإحصاءات الرسمية قد تشير إلى وجود تكافؤ اسمي – أي ما يقرب من 50-50 بين الضباط المسيحيين والمسلمين – إلا أن الواقع أكثر تعقيدًا بكثير. فعدد كبير من الضباط المسيحيين هم من النساء اللواتي غالباً ما يتم إحالتهن إلى أدوار إدارية أو مساندة، ونادراً ما يشاركن في القتال أو قيادة الوحدات المقاتلة. وقد ترك هذا الأمر فراغًا في المناصب القيادية التي كانت ترمز تقليديًا إلى الوجود المسيحي والنفوذ المسيحي في الدفاع الوطني.
يضاف إلى هذه المشاكل الهيكلية إرث الحقبة السورية الذي ترك الجيش اللبناني مثقلاً بالرتب العسكرية العليا، مع تضخم عدد العمداء مقارنة بالجنود المجندين. هذا التسلسل الهرمي المتضخم يعيق الكفاءة العملياتية ويعكس أنظمة عفا عليها الزمن تخدم المحسوبية السياسية أكثر مما تخدم الفعالية العسكرية.
الاندماج المحتمل لحزب الله: سابقة خطيرة
إن دمج حزب الله – وهو ميليشيا شيعية قوية تعمل بهيكلية قيادتها العسكرية الخاصة بها وأيديولوجيتها المتجذرة في عقيدة ولاية الفقيه الإيرانية – في الجيش اللبناني ستكون له عواقب وخيمة. فمثل هذه الخطوة لن تؤدي إلى مأسسة جهة فاعلة غير حكومية ذات أجندة دينية وسياسية فحسب، بل ستضخ أيضًا سلالة أيديولوجية حصرية في مؤسسة وطنية من المفترض أن تكون علمانية وتمثيلية.
وقد تكون العواقب بعيدة المدى. فقد يؤدي إدماج قوة إسلامية شيعية إلى إثارة التطرف التفاعلي بين الجماعات الطائفية الأخرى، ولاسيما السنّة، الذين قد يشعرون بأنهم مضطرون إلى إعادة تأكيد هويتهم من خلال جماعات مثل داعش أو الإخوان المسلمين. ومن شأن التوازن الهش للفسيفساء الطائفية في لبنان أن يختل بشدة، مما قد يؤدي إلى مزيد من التشرذم بدلاً من الوحدة الوطنية.
الفيدرالية: حلّ يرتكز على التمثيل والأمن
هنا تطرح الفيدرالية نفسها ليس فقط كحلّ لإعادة الهيكلة السياسية بل كضرورة أمنية. فالفيدرالية في لبنان ستسمح بوجود قوات أمن على المستوى الوطني وعلى مستوى الولايات، مما يخلق نظامًا من مستويين يحترم التركيبة السكانية المحلية مع الحفاظ على سلامة الجيش الوطني.
في ظل نظام فيدرالي
– سيكون الجيش اللبناني الاتحادي ممثلاً لكل المجموعات الطائفية والعرقية بما يضمن الشرعية الوطنية والدفاع الجماعي.
– يمكن أن تتألف الوحدات العسكرية أو وحدات الشرطة على مستوى الدولة في الغالب من المجتمعات المحلية، مما يمنح الناس إحساسًا أكبر بالملكية والتمثيل في أمنهم.
ومن شأن مثل هذه الهيكلية أن تسمح للبنان بمعالجة المخاوف الطائفية بشكل أكثر تنظيمية. على سبيل المثال، يمكن للولايات ذات الغالبية المسيحية أن تشجع التجنيد المحلي، وإعادة التوازن في التمثيل من دون فرض حصص على المستوى الوطني. وفي الوقت نفسه، ستظل وحدات الولايات المحلية ملتزمة بالعقيدة العسكرية الاتحادية ومعايير التدريب والمبادئ التوجيهية للمعدات العسكرية، ما يحافظ على التماسك والاحترافية في جميع المجالات.
ما الذي يجب فعله الآن؟
بدلاً من السعي وراء جهود الاندماج الخطيرة التي يمكن أن تؤدي إلى حل آخر رمز قائم للوحدة الوطنية – الجيش اللبناني – ينبغي على البلاد إعطاء الأولوية لـ :
– الشروع في حوار وطني حول الفيدرالية، يشارك فيه القادة السياسيون والمجتمع المدني والزعماء الدينيون لرسم مستقبل جديد أكثر تمثيلاً.
– الحفاظ على نزاهة الجيش اللبناني، مع إطلاق حملات تجنيد لتشجيع الشباب المسيحي على الالتحاق بالجيش اللبناني، وخاصة في برامج تدريب الضباط.
– إصلاح التسلسل في الهرمية العسكرية لتقليل عدد العمداء وإعادة تركيز القيادة على الجاهزية العملياتية بدلاً من الهيبة السياسية.
– إنشاء وحدات شرطة أو وحدات حرس وطني على مستوى الولايات في إطار فيدرالي، بما يضمن قدرة كل منطقة على الحفاظ على الأمن مع الحفاظ على الاندماج في عقيدة دفاعية وطنية.
الخلاصة
يقف لبنان على مفترق طرق. قد يبدو للبعض أن الحديث عن دمج حزب الله في الجيش اللبناني أمرًا براغماتيًا، لكن المخاطر على المدى الطويل تفوق بكثير أي مكاسب سياسية على المدى القصير. فالفيدرالية تقدم حلاً أكثر استدامة وإنصافاً – حل يمكن أن يحقق الاستقرار في البلاد من خلال الاعتراف بتنوعها، وإعادة التوازن إلى مؤسساتها، وتأمين مستقبلها من خلال هياكل أمنية شاملة وذات أسس محلية. لقد حان الوقت الآن لتحويل الحوار من الاندماج إلى التحول