استهداف مركز الثقل: إطار عمل استراتيجي لمواجهة أنصار الله في شمال اليمن

خاص – بيروت بوست – واشنطن
تكمن قوة جماعة أنصار الله (الحوثيين) في قدرتهم على السيطرة والمناورة داخل المنطقة الشمالية من اليمن الصعبة جغرافياً والحيوية استراتيجياً. وقد أتاحت لهم سيطرتهم القوية على مدن مثل صنعاء وتعز والحديدة، إلى جانب المقاومة الجنوبية المتصدعة في الجنوب، مواصلة عملياتهم، بما في ذلك عمليات التعطيل البحري في البحر الأحمر.
تطبق هذه الورقة تحليل مركز الثقل والتحليل العقدي لتحديد نقاط الضعف الاستراتيجية التي يمكن، في حال استهدافها، أن تغير ميزان القوى وتجبر أنصار الله على الدخول في مفاوضات. العقد الرئيسية التي تم تحديدها هي:
(1)- حرمان القوات البرية الحوثية من المناورة في الشمال؛ (2)- توحيد الفصائل العسكرية الجنوبية تحت قيادة واحدة.
(3)- الاستفادة من التحالفات القبلية السنية من خلال الدعم المالي والسياسي المستهدف. ومن خلال تنسيق المعلومات الاستخباراتية الأمريكية والدعم المالي والدعم العسكري المحدود، يمكن استهداف هذه العقد في وقت واحد لتقويض التماسك العملياتي للحوثيين وبدء مسار نحو القضاء على التهديدات ضد الملاحة الحرة في البحر الأحمر.
تمكنت جماعة أنصار الله، المعروفة أكثر باسم الحوثيين، من التحول من حركة متمردة محلية إلى جهة فاعلة شبه دولة هائلة، تسيطر على مساحات واسعة من شمال اليمن وتعطل طرق التجارة الدولية عبر البحر الأحمر. إن صمودهم وتمددهم ليس نتيجة القوة العسكرية المتفوقة وحدها، بل نتيجة مزيج معقد من الميزة الجغرافية والإكراه القبلي وتشرذم خصومهم. وتسعى هذه الورقة إلى استكشاف كيف يمكن تفعيل تحليل عقدي لمركز ثقلهم لإضعاف قدراتهم ودفعهم نحو التفاوض.
ويكمن مركز الثقل الحقيقي للحوثيين في سيطرتهم على الأراضي الشمالية الوعرة والشاسعة من اليمن. لا توفر هذه المنطقة ملاذًا ماديًا وعمقًا استراتيجيًا فحسب، بل توفر أيضًا حرية عملياتية للمناورة وإخفاء الوحدات المتحركة، بما في ذلك تلك المسؤولة عن التهديدات البحرية في البحر الأحمر. ويتم الحفاظ على سيطرتهم على مدن مثل صنعاء والحديدة وتعز من خلال مزيج دقيق من استعراض القوة والتلاعب السياسي، لا سيما على القبائل السنية المعادية تاريخياً للفكر الحوثي.
هذه المعاقل الشمالية – المتداخلة مع الشبكات القبلية والتضاريس المعقدة – بمثابة عقد تمكّن أنصار الله من الحفاظ على تكتيكات التمرد والعمليات غير المتكافئة لفترات طويلة. وقد ضمن إخضاع القبائل المنشقة أو تحييدها في هذه المناطق استمرار هيمنة الحوثيين. ومع ذلك، فإن هذه العقد نفسها تمثل نقاط ضعف حرجة إذا ما تعرضت لضغوط مستهدفة.
إن اعتماد الحوثيين على السيطرة على الأراضي لانطلاق عملياتهم يجعل من قواتهم البرية المتنقلة هدفاً رئيسياً. ومن شأن حرمانهم من القدرة على المناورة عبر الممرات الاستراتيجية – لا سيما تلك التي تربط صعدة بصنعاء وتعز والحديدة – أن يرهق لوجستياتهم ويقلل من قدرتهم على الاستجابة للتحولات المفاجئة في ديناميكيات ساحة المعركة. ومن شأن حملة منسقة بشكل جيد تشمل غارات جوية وطائرات بدون طيار محددة الأهداف، ودعم العمليات الخاصة، واعتراض خطوط الإمداد أن يحد بشكل كبير من مرونة عملياتهم.
وهذا من شأنه أن يخلق فرصاً سانحة للانتفاضات القبلية، خاصة بين الفصائل السنية التي طالما استاءت من هيمنة الحوثيين لكنها افتقرت إلى القيادة والتوقيت والموارد اللازمة لتحديهم. ويمكن لمعارضة محلية أكثر جرأة، مدعومة بمعلومات استخباراتية ولوجستية خارجية، أن تقلب موازين القوى الداخلية لصالح تحالف أوسع مناهض للحوثيين.
بينما ظل الشمال تحت سيطرة الحوثيين المتماسكة نسبياً، عانى الجنوب من انقسامات داخلية منهكة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً (المدعومة من السعودية) والمجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم من الإمارات). لم يؤد هذا الانقسام إلى إضعاف جهود المقاومة فحسب، بل خدم عن غير قصد مصالح الحوثيين في إطار سيناريو “فرّق تسد” الكلاسيكي.
يسلط الهجوم الفاشل على الحديدة في عام 2017 الضوء على كيف أدى انعدام الثقة الداخلية وغياب هيكل قيادة موحد إلى انتصار الحوثيين الحاسم على الرغم من تفوق المهاجمين في الموارد والدعم. إن وجود هيكلية قيادة جنوبية فعالة وموحدة أمر بالغ الأهمية. يجب على أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ممارسة الضغط وتقديم الحوافز لتوحيد القوات الجنوبية تحت قيادة مشتركة مع قيادة وسيطرة مبسطة. وهذا من شأنه أن يسمح بتنفيذ عمليات متزامنة يمكن أن تتحدى مواقع الحوثيين من الجنوب مع قطع سلاسل إمدادهم الشمالية في الوقت نفسه.
لطالما لعب المشهد القبلي في اليمن دوراً حاسماً في تحديد النتائج السياسية. فقد جاءت سيطرة أنصار الله على القبائل الشمالية عن طريق الإكراه والاسترضاء وأحياناً العنف الصريح، كما في حالة الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي حاول تغيير ولائه فقتله الحوثيون.
ومع ذلك، تظل هذه القبائل منحازة براغماتياً وغالباً ما تنحاز إلى جانب من يقدم أفضل الضمانات على المدى الطويل. وعلى غرار استراتيجية صالح الشهيرة في “الرقص على رؤوس الثعابين”، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الآن الانخراط في عملية موازنة مماثلة – تقديم الدعم المالي والضمانات الأمنية والدور السياسي في اليمن ما بعد الصراع – لتوفير حوافز لانشقاق القبائل السنية عن معسكر الحوثيين.
ومن خلال الاستثمار والرسائل المناسبة، يمكن أن يتحول العديد من هذه القبائل إلى مقاومين فاعلين بدلاً من متفرجين سلبيين. لن يؤدي انشقاقهم إلى تآكل شرعية الحوثيين فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تفتيت سيطرتهم من الداخل – خاصة في المراكز الحضرية مثل صنعاء وتعز والحديدة.
ومن الإجراءات التكميلية والحيوية في الوقت نفسه استهداف منشآت تخزين الأسلحة والمراكز اللوجستية ومستودعات الأسلحة التابعة للحوثيين – وخاصة في المناطق المحيطة بصعدة وممرات الإمداد الرئيسية. ولن يؤدي تدهور هذه الأصول إلى الحد من قدرتهم على شن الحرب فحسب، بل سيكون بمثابة دليل رمزي على ضعفهم المتزايد. وعندما يقترن ذلك بالانشقاق القبلي والضغط العسكري من جبهة جنوبية موحدة، فإن ذلك سيرسل إشارة قوية إلى قيادة الحوثيين بأن جوهرهم الاستراتيجي في خطر.
إن قوة أنصار الله ليست مطلقة؛ فهي مزيج غير مستقر من الجغرافيا والمعارضة المنقسمة والولاء القبلي القسري. ومن خلال تطبيق استراتيجية عقدية تستهدف القدرة على المناورة، وتوحيد القوات الجنوبية، وقلب الولاءات القبلية، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها خلق حملة ضغط متعددة الأبعاد تضعف قبضة الحوثيين على السلطة.
والهدف هو إجبار قيادة أنصار الله على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من موقع ضعف معترف به. وكلما تم استهداف هذه العقد بشكل استراتيجي، كلما زادت فرصة اليمن في التوصل إلى تسوية سياسية دائمة واستقرار إقليمي.