كان من المفترض أن تتحول دعوة إيرانية لمجموعة من الصحافيين المصنفين “فئة أولى” وعلى نقيض السياسة الإيرانية وفي مقابل “محور الممانعة” للقاء مع السفير الإيراني مجتبى أماني في مقر السفارة الإيرانية في منطقة الجناح / الغبيري، إلى جلسة نقاش مثمرة وغنية وإلى حالة تشكل إختراقاً نوعياً، ليس بالضرورة أن تؤدي إلى إدخال تغييرات شاملة على وجهة نظر الحاضرين، إنما تؤمن بالحد الأدنى فعل “مكاشفة” سياسية مطلوبة في هذا التوقيت.
غير أن ما جرى بدا لافتاً وكأنه أتى من خارج السياق المرسوم، حيث حضر السفير لمقابلة الحاضرين من خلفية من بنى نظرة مسبقة تجاههم، أو ممن يرى فيهم أنهم عبارة عن فئة تمثل فريقاً خصماً لإيران في السياسة، أو كمن حضر وهو في باله إمرار رسالة ما عبرهم.
بداية، لم يفهم لماذا انصرف فريق السفارة الإيرانية عن البروتوكول، بحيث لم تتضمن الجلسة أي كلمة ترحيبية من جانب السفير، كما أنه تجنب إبراز أي موقف إيراني، أو تقديم وجهة نظر إيرانية أو قراءة إيرانية شاملة لتطورات المنطقة، بدلاً من ذلك، انصرف السفير فوراً بعيد حضوره بلحظات إلى الطلب من الحاضرين التوجه إليه بأسئلتهم؛ وهنا بدأ التحول. إذ وبدل أن تفتتح جلسة نقاش حضارية، إنغمس الطرفان، الحاضرين والسفير، في سوق الاتهامات المتبادلة، أو إعتماد عبارات التمنين من أدوار سياسية وعسكرية سابقة، حمت اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً من غزوات إرهابية قادمة من الشرق، وصولاً إلى إنكار طبيعة الأزمة السياسية والاقتصادية اللبنانية وواقعها وأسبابها، ودور بعض اللبنانيين فيها، إضافة إلى محاولة السفير إبراز نقاط افتراق وعدم تلاقي بين اللبنانيين من جملة ما أدت إليه أن أحدثت الأزمة، وهو ما التفت إليه الحاضرين وأثار استيائهم واستغرابهم من هذا الأداء غير المفهوم، ودفع ببعضهم إلى الانسحاب من الجلسة بطريقة لبقة، بعدما وصفها بـ”جلسة طرشان”.
المستغرب في الموضوع، الشكل الذي ظهر عليه السفير الإيراني مجتبى أماني، الذي بدا منخرطاً بشكلٍ واضح في أدبيات وتفسيرات بعيدة عما اشتهرت فيه الدبلوماسية الايرانية بشكل عام. وبدت عليه السطحية في مقاربة بعض المسائل، كما تعمد في كثير من الأحيان نقل “أحاديث أحياء ومقاهي” إلى صالونات سياسية ودبلوماسية، لا يعتد بها وتظهر ضعفاً لدى المعني، وهي صورة أثرت بشكل واضح على صورة الجهة التي يمثلها. مع الإشارة إلى أن الإيرانيين إمتازوا في السابق باستحضار طراز رفيع جداً من السفراء، أمثال المرحوم غضنفر ركن أبادي، من الذين كانوا يبدون إنفتاحاً واضحاً تجاه سائر اللبنانيين، ولم يكونوا قط من أصحاب التموضعات الصلبة والقاسية، ولم ينتهجوا يوماً خطاباً أقرب ما يكون إلى الخطاب اليميني.
الجلسة مع السفير الإيراني، أفصحت بصراحة عن عطب واضح عبرت عنه شخصية السفير، التي تسببت قبل أي شيء آخر، باستياء عارم من الجهة التي تعد مستفيدة ومشاركة بطريقة ما في إعداد اللقاء وتنظيمه، خاصة بعدما وردتها عبارات سخط واستغراب من الشخصيات المشاركة فيه كما من جانب مؤسساتهم، التي كانت تتوقع من الجلسة أنها تحضر في ظرف إستثنائي وتشفيل الغليل تجاه بعض الأسئلة والاستفسارات، وإن ما لدى السفير الإيراني شيء إستثنائي أراد التعبير عنهم أمام نخبة حضرت.