صراع إثيوبيا والصومال على سواحل البحر الأحمر

يشكل البحر الأحمر منطقة استراتيجية بالغة الأهمية على مستوى العالم، حيث يُعتبر ممراً كبيراً من نفط العالم، كما أنه ممر لعمليات تجارية عملاقة، وهو ما يجعل منه موقعاً ذا أهمية اقتصادية نادرة على مستوى العالم، كما أنه ساحة للصراع تزداد سخونة يوماً بعد آخر.

ويُشكل وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر أحدث التطورات الاستراتيجية المتعلقة به، وربما أحدث التطورات المائية على مستوى العالم، حيث أبرمت إثيوبيا اتفاقاً في الأول من يناير الماضي، أي مع بداية العام الحالي 2024، لتأمين المرور المباشر إلى البحر الأحمر عبر أرض الصومال، وهي منطقة شبه مستقلة عن الصومال، الأمر الذي أشعل غضباً في مقديشو التي اعتبرت هذا تهديداً لمصالحها.

وكانت إثيوبيا دولة غير ساحلية منذ عام 1993، حيث في ذلك العام حصلت إريتريا على استقلالها بعد حرب استمرت ثلاثة عقود، الأمر الذي جعل إثيوبيا تعتمد على موانئ جيرانها. وفي عام 2023، حدد رئيس الوزراء أبي أحمد استعادة الوصول إلى المحيط كهدف استراتيجي وحذر من أن الفشل في تأمينه قد يؤدي إلى الصراع في المنطقة من جديد.

ومنذ بداية العام الحالي مع إبرام إثيوبيا اتفاقها مع “أرض الصومال” ردت الصومال بطرد السفير الإثيوبي وأغلقت قنصليات جارتها، واستدعت مبعوثها من أديس أبابا، وهددت بتوبيخ الشركات التي تتعامل مع “أرض الصومال” كدولة مستقلة، وفق تقرير نشرته وكالة “بلومبرغ”، واطلعت عليه “العربية Business”.

ومنحت مذكرة التفاهم منحت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى خليج عدن عبر ممر تستأجره من أرض الصومال لمدة 50 عاماً، لكن السؤال المثير للجدل هو “هل أرض الصومال دولة؟ وهل يمكنها توقيع مثل هذه الاتفاقية؟”.

ويشير التقرير إلى أن “أرض الصومال فشلت في الحصول على الاعتراف الدولي الذي من شأنه أن يسمح لها بتلقي التمويل والمساعدات من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي. ولم تعترف باستقلالها سوى تايوان، التي تربطها علاقات دبلوماسية مع اثنتي عشرة دولة فقط”.

وكانت “أرض الصومال” محمية بريطانية سابقة، وشكلت اتحاداً مع الصومال في عام 1960، لكنها أعلنت استقلالها في عام 1991 بعد اندلاع حرب أهلية. وتعقد هذه المنطقة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 5.7 مليون نسمة، انتخابات دورية وتصدر جوازات سفرها الخاصة وتطبع عملتها الخاصة، ووقعت صفقات استثمارية دولية.

وقالت إيدنا آدان، المبعوثة الخاصة لأرض الصومال، إن الإقليم لديه السلطة لتوقيع أي اتفاقيات يريدها وأنه لا يحتاج إلى إخطار -أو طلب موافقة- من أي شخص آخر أو جهة ثانية.

في المقابل تعتبر الصومال “أرض الصومال” جزءاً من أراضيها وتقول إنها لا تستطيع التفاوض بشكل مستقل ولا إبرام الاتفاقيات الدولية بمفردها.

ووصف رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري الصفقة مع إثيوبيا بأنها “عمل عدواني ضد سيادة الصومال وسلامة أراضيها” وتهديد مباشر لمواردها البحرية. وقال إن حكومته ستدافع عما أسماه حقوقها.

ولدى الصومال قدرات محدودة للتصدي لهذا الاتفاق الذي يثير غضبها، وذلك بسبب أن قدراتها العسكرية استنزفت خلال قتال دام 17 عاماً ضد جماعة الشباب المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة، كما أن لدى إثيوبيا جيش أقوى بكثير.

كما تعارض “حركة الشباب” التي تسيطر على أجزاء من الصومال وتهدف إلى الإطاحة بالحكومة هذه الصفقة. وقال المتحدث باسمها علي محمود راجي: “لا ينبغي أن يكون هناك مجال للإثيوبيين للحصول على شبر واحد من الأرض أو المحيط” في أرض الصومال وحذر من أنها ستعاني من “عواقب مريرة” إذا حاولت القيام بذلك.

وأعربت الهيئة الحكومية الدولية للتنمية، وهي مجموعة إقليمية تضم ثماني دول، عن قلقها العميق بشأن الآثار المحتملة للصفقة على الاستقرار الإقليمي ودعت إلى حل أي خلافات ودياً. ورفضت “أرض الصومال” محاولات تركيا للتوسط لإنهاء النزاع بين الصومال وإثيوبيا، متهمة إياها بالتدخل والافتقار إلى الحياد.

وهناك مخاوف بشأن احتمال أن تتمكن إثيوبيا، من خلال اتفاقها مع أرض الصومال، من الوصول إلى مضيق باب المندب الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر، والذي يتدفق إلى قناة السويس.

والمضيق هو نقطة اختناق شحن عالمية؛ يمر عبره ما يقرب من 9% من التجارة البحرية العالمية، وقد نشرت العديد من البلدان قوات بحرية هناك لحماية مصالحها التجارية، وقد يضطرب توازن القوى الحالي إذا انضمت إثيوبيا إليها.

كما يشير تقرير “بلومبرغ” أيضاً الى أنه “إذا نجحت إثيوبيا في الحصول على الوصول البحري عبر أرض الصومال، فقد تخسر جيبوتي اقتصادياً أيضاً، حيث حالياً يستخدم الإثيوبيون أراضيها للوصول إلى المحيط عبر الطرق والسكك الحديدية”

Exit mobile version