تُجمع مصادر الإدارات المصرفيّة على استبعاد أي تأثيرات مباشرة وسريعة، خصوصًا من جهة علاقة المصارف المحليّة مع المصارف المُراسلة، على المدى القصير، أي بمعنى أوضح، لن يكون من المتوقّع أن يعاني لبنان، وبشكل فوري، من عزلة ماليّة أو انقطاع في علاقته المصرفيّة مع الخارج. غير أنّ التأثير الفعلي سيحدث على المديين المتوسّط والبعيد، وذلك على المستويات التالية:
- من المتوقّع أن تشهد المصارف والمؤسسات الماليّة –وبشكل تدريجي- تعقيدات أكثر في العلاقة مع الخارج، بما سيشمل طلب المزيد من المستندات التوضيحيّة التي تفسّر غاية التحويلات الماليّة للعملاء، أو المزيد من العمولات التي تترتّب على أي تحويل. وهذا يرتبط بوجود سياسات احترازيّة خاصّة تتبعها المصارف الأجنبيّة، عند التعامل مع دول مُدرجة على القوائم الرماديّة.
- بالنسبة للاستثمارات الأجنبيّة، في المستقبل، سيكون متوقّعًا أن يأخذ أي مستثمر بعين الاعتبار وضعيّة البلاد على لوائح مجموعة العمل المالي، قبل اتخاذ أي قرار استثماري. وهذا يرتبط بكلفة التحويلات الأعلى، وتعقيداتها، عند التعامل مع البلدان المدرجة على اللائحة الرماديّة. مع الإشارة إلى أنّ إحصاءات صندوق النقد الدولي توضح أنّ البلدان التي تم إدراجها على القائمة الرماديّة عانت بالفعل من تراجع في التدفقات النقديّة الواردة من الخارج، لهذا السبب بالذات.
- في العلاقة مع المؤسسات الماليّة الدوليّة، ومنها صندوق النقد، لن يخسر لبنان القدرة على الاستفادة من البرامج التمويليّة لهذه المؤسسات. وهذا ما حصل مع باكستان التي دخلت في برنامج مع صندوق النقد، خلال فترة وجودها على اللائحة الرماديّة. لكن سيكون متوقّعًا أن تفرض هذه المؤسسات بعض الشروط الإضافيّة المرتبطة بمخاطر الجرائم الماليّة وتبييض الأموال، في علاقتها مع السلطات اللبنانيّة.
- أمّا القطاع المصرفي بالتحديد، فسيعاني من صعوبات أكبر في استقدام الرساميل والاستثمارات الأجنبيّة، عند الدخول في مرحلة إعادة الهيكلة وإعادة الرسملة، التي ستحتاج هذا النوع من الاستثمارات. وهذا يعود بالطبع إلى الإشكالات المحيطة بعمل المصارف في بيئة مرتفعة المخاطر نسبيًا.
في النتيجة، لا يمكن التقليل من خطورة وتأثير ما جرى، كما لا يمكن التغاضي عن أهميّة تصحيح مكامن الخلل التي أدّت إلى إدراج لبنان على اللائحة الرماديّة. فالبقاء على تلك اللائحة، يمكن أن يعني المزيد من العراقيل في مسار التعافي المالي مستقبلًا، هذا إذا دخل لبنان في هذا المسار بالفعل. وفي جميع الحالات، يمكن القول أنّ الغالبيّة الساحقة من شروط المجموعة تصب بالفعل في مصلحة لبنان، بمعزل عن الجانب المتعلّق بتأثير تصنيفه، وخصوصًا بالنسبة إلى تفعيل عمل السلطات القضائيّة في ملاحقة الجرائم الماليّة أو زيادة الرقابة الهادفة إلى مكافحة الكسب غير المشروع.