
ميشال نصر
بعيدا عن ظواهر الامور وشكلها، التي رافقت الايام السابقة لتنحي الرئيس الاميركي جو بايدن واعلانه عزوفه عن قبول ترشيح الديمقراطيين له، تبين التطورات يوما بعد يوم ان زلزالا ضرب الولايات المتحدة الاميركية، ليس كما يعتقد البعض بسبب حرب اهلية قادمة، او فراغ محتم في البيت الابيض، انما ابعد من ذلك بكثير، يتمثل في انتهاء حقبة امتدت منذ ٢٠١١.
حقبة دشن سياستها الرئيس السابق باراك اوباما، الذي اخرج الولايات المتحدة الاميركية من سياقها التاريخي، ناجحا في جرها الى صدام مع العالم اجمع، اقله في منطقة الشرق الاوسط، الذي تسببت سياسته واستراتيجيته فيها، على كسر التوازنات التاريخية الحاكمة في المنطقة، مسلما اياها، بعدما اجهض ربيع شعوبها المنتفضة لطهران وحلفائها من الاخوان.
فكانت النتيجة المدمرة، بخربطة علاقات واشنطن بدول الخليج العربي وتحديدا المملكة العربية السعودية، التي اخرجها من لبنان عام ٢٠١١ مع تغطيته خروج سعد الحريري بالضربة القاضية من تحالف الرابية – حارة حريك، كبداية لقلب كل التوازنات في لبنان وتسليم محور الممانعة كافة السلطات الدستورية في البلد والرئاسات، لينتهي الامر بتوقيع الاتفاق النووي الايراني عام ٢٠١٥، بكل مندرجاته السرية، قبل ان يطيح به الرئيس دونالد ترامب.
لكن اوباما استطاع “بفلتة شوط” و بخديعة انتخابية طبخها بغفلة عن الجمهوريين، في ايصال “الرئيس العجوز” الى البيت الابيض، ليصبح بذلك رئيس الظل ، زارعا رجاله في المراكز الحساسة، عاملا على اعادة احياء تحالف الاقليات في المنطقة، بطهران المتربعة على عرشه.
غير ان حسابات ٢٠٢٤ الانتخابية لم تتطابق وبيدر اوباما الماخوذ بنشوة “انتصاراته”، حيث اضطر حصانه المريض الى الخروج من السباق تحت ضغط الشارع الاميركي عموما والديمقراطي خصوصا، ليجد نفسه امام لحظة الحقيقة، عاجزا عن ادخال حصانه حلبة السباق، والذي على ما يبدو هو ميشال اوباما، ليخرج بذلك من المعارلة، مع تقدم كامالا هاريس المدعومة من غريميه هيلاري وبيل كلينتون وغالبية الديمقراطية.
فعليا، يمكن القول انه بخروج بايدن من السباق، حققت الولايات المتحدة الاميركية، صاحبة النظام الدستوري القادر على امتصاص كل الازمات واحتوائها، الانقلابة الاولى في رحلة التغيير، لتسجل انتصارا داخليا انقذها من هلاك محتوم فرضه اوباما وسياساته، التي بخروجها من مركز القرار، غيرت وجه اميركا وكذلك العالم، واول غيث ذلك في المنطقة، حيث الخاسر الاكبر الجمهورية الاسلامية الايرانية ومحور ممانعتها، الذي لا يحسد على وضعه، حيث بدأ اول الغيث يظهر، في التصاريح التصعيدية ضد طهران بملفها النووي، بمقدار الحملة على نفوذها وامتداده في المنطقة.
هي حقبة جديدة سيكتبها الجمهوريون اذا قدر لدونالد ترامب ان يصل الى البيت الابيض، مفاعيلها قريبة جدا لتلك التي سادت عشية عام ١٩٨٢، مع فارق الاتفاق من فوق الطاولة هذه المرة بين واشنطن وموسكو.، في بيروت ودمشق، على حساب طهران وامتداداتها.