إسرائيل تكشف خطتها للبنان

ليست صدفة أن يستبق موقع “ألما” المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، جلسة الحكومة اللبنانية لبحث مسألة حصر السلاح في يد الدولة، بنشر تقرير تقييمي وتحليلي لحصيلة الاستهدافات الإسرائيلية في لبنان وتوزيعها المناطقي منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار أواخر تشرين الثاني الماضي.
وأراد القائمون على الموقع بوصفهم متخصصين بالجبهة الشمالية، أن يبعثوا رسالة تجمع بين الابتزاز والتهديد إلى كل لبنان، حكومةً وشعباً وأيضاً إلى “حزب الله” مفادها أن الهجمات الإسرائيلية ستتواصل إلى أجل غير مسمى، وأنها غير مرهونة بما ستفعله الحكومة اللبنانية بشأن سلاح “حزب الله”، وسط قلق من سيناريوهات التصعيد تبعاً لما ستؤول إليه أجواء الترقب والتوتر في لبنان على إثر انتقال الدولة اللبنانية إلى مرحلة الاختبار الأصعب بشأن مستقبل سلاح الحزب.
وبتفصيل تقرير “ألما”، فإن نحو 47.5% من الضربات الإسرائيلية كانت جنوبي نهر الليطاني، و36.9% منها شمالي الليطاني، و13.5% منها في سهل البقاع، و2.1% منها في بيروت، حيث أسفرت عن تدمير 90 منصة إطلاق صواريخ، و40 مستودع أسلحة، و40 بنية تحتية تابعة لـ”حزب الله”، و20 مركز قيادة، و5 مواقع لإنتاج الأسلحة، و3 معسكرات تدريب تابعة لـ”قوة الرضوان”، إضافة إلى آلاف الصواريخ، بحسب أحدث تقرير للجيش الإسرائيلي قبل أيام.
وأشار تقرير “ألما” ومن قبله الجيش الإسرائيلي، إلى أن الاعتداءات المستمرة على لبنان تجري وفق “منهجية عسكرية.. لا عشوائية”، مروراً بمحاولة فرض مصطلح “خروق حزب الله” في مقابل “معالجات إسرائيل الأمنية” في مسعى إلى “شرعنة” العدوانية الإسرائيلية المتواصلة رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
وفصّل موقع “ألما” “خروقات حزب الله” بـ”الأرقام” مشيراً إلى إبلاغ إسرائيل لآلية مراقبة وقف إطلاق النار عن 1263 “خرقاً” من قبل “حزب الله” منذ 27 تشرين الثاني 2024، أي خلال أكثر من 8 أشهر، وأن 71% من الخروقات وقعت في جنوب لبنان، وهي نسبة قال الموقع أنها تتماشى مع التوزيع الجغرافي للضربات الإسرائيلية طوال الفترة المذكورة.
وقال “علما” أن الجيش اللبناني تعامل مع 453 من مجمل الخروق، بينما قامت إسرائيل بالتعامل عسكرياً مع معظم الـ810 المتبقية عبر الهجمات المباشرة، وبقيت نسبة صغيرة منها “من دون معالجة”. وهنا، لم يوضح الموقع الإسرائيلي الاعتبارات التي منعت الجيش الإسرائيلي من التعامل العسكري مع تلك النسبة القليلة المتبقية.
والحال أن ما تسميه تل أبيب “خروقات حزب الله”، تقصد بها محاولات الحزب إعادة بناء قدراته العسكرية. ولا يتعلق الأمر بإحباط هجوم وشيك على العمق الإسرائيلي، وهو المبرر الذي طالما روجت له تل أبيب خلال مفاوضات وقف إطلاق النار لتبرير نيتها المسبقة خرق الاتفاق، ما يعني أنه بغض النظر عن مضمون مزاعم تل أبيب، فإنه لا مسوغ لاستمرار انتهاكاتها لسيادة لبنان، خصوصاً أن تقرير “ألما” نفسه أقر بأن الدولة اللبنانية تقوم بالتزاماتها بموجب الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة وأطراف أخرى.
وعاد الموقع للقول أن الأرقام السابقة تتعلق فقط بـ”خروقات حزب الله المعروفة”، زاعماً وجود العديد من الخروقات الأخرى التي لم تكتشف بعد، على حد تعبيره. وبناء على هذا الافتراض، طرح “ألما” سؤالاً مفاده: “هل يقترب هذا النهج في تطبيق وقف إطلاق النار من الحد الكافي لثني حزب الله عن إعادة بناء قدراته؟”، وأجاب: “لا، إن هذا الردع يعطل عملية إعادة البناء. لكنه لا يمنعها تماماً”.
ولعل اعتبار الموقع الإسرائيلي الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية مجرد “معالجة لانتهاكات حزب الله”، مروراً بتشكيكه في “الردع الكامل” الذي يمكن أن تحققه آلية وقف إطلاق النار القائمة حيال مساعي “حزب الله” تأهيل بنيته العسكرية، يثير علامات استفهام كبيرة بشأن غايات التقرير الأمني الإسرائيلي، وما إذا كانت مقاصده هي فتح الباب أمام تمهيد إسرائيلي لابتزاز الدولة اللبنانية ومقايضة ملفات بأخرى.
وما يعزز هذه التساؤلات، هو ادعاء “ألما” في تقرير آخر، أنه رغم النقاشات اللبنانية والتصريحات الصادرة عن حكومة نواف سلام بشأن نزع سلاح “حزب الله” فإن الحزب يواصل جهوده على الأرض لإعادة بناء قدراته العسكرية وتعزيزها بشكل مستمر، ما يوحي أيضاً بأن إسرائيل تسير في مسار آخر لفرض وقائع مستجدة في لبنان.
وبموازاة الجانب الميداني، بدأت إسرائيل تراقب تحركات “حزب الله” استعداداً للانتخابات البرلمانية المقررة في أيار 2026. وخصص “علما” مادة هذا الأسبوع قال فيها أن “حزب الله” إلى جانب جهوده في إعادة “تأهيل قدراته العسكرية”، يعمل على تعزيز جناحه السياسي وزيادة نفوذه في المشهد اللبناني، مشيراً إلى أن الحزب و”حركة أمل” ينشطان في مختلف جوانب التحضير للانتخابات.
وتعتبر الدوائر الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية أن الانتخابات النيابية اللبنانية القادمة، بمثابة “اختبار حاسم” لقوة “حزب الله” في الساحة الداخلية اللبنانية، على نحو أكثر أهمية من الانتخابات البلدية الأخيرة، مضيفاً أن نجاحه سيقاس بقدرته على تشكيل كتلة برلمانية قوية ومتماسكة.
(أدهم مناصرة)