مستقبل الوضع في السويداء(تقدير موقف)

خاص – إعداد بيروت بوست
شهدت محافظة السويداء مؤخرًا اشتباكات عنيفة، بدأت بسلسلة من عمليات الخطف المتبادلة بين عشائر البدو و”المجموعات المسلحة الدرزية”، وتصاعدت لتشمل تدخل القوات الأمنية السورية وضربات جوية إسرائيلية، مما أسفر عن سقوط مئات الضحايا ونزوح آلاف العائلات.
هذه الاشتباكات، التي بدأت في 12 تموز 2025، تعكس توترات اجتماعية واقتصادية وطائفية عميقة، وتضع مستقبل المحافظة على مفترق طرق.
فما هي السيناريوهات المحتملة لمستقبل الصراع في السويداء بعد الاشتباكات الأخيرة؟
1. سيناريو التهدئة الهشة والاحتواء (الأكثر ترجيحًا على المدى القصير)
ملامحه:
* وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار: أعلنت الحكومة السورية عن اتفاق لوقف إطلاق النار، يشمل انتشار قوات الأمن الداخلي لفض الاشتباكات وفتح معابر إنسانية. هذا السيناريو يتوقع أن يصمد الاتفاق جزئيًا، مع تراجع حدة الاشتباكات المباشرة.
* استمرار التوترات الكامنة: لن تختفي أسباب التوتر الأساسية (الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية). ستبقى التوترات بين العشائر الدرزية والبدوية قائمة، وقد تتجدد الاشتباكات بشكل متقطع في المستقبل.
* محاولات النظام لفرض السيطرة: سيستمر النظام في محاولة استعادة نفوذه وهيبته تدريجيًا، مستفيدًا من أي انقسامات داخلية أو ضعف في الحراك الشعبي. قد يتم ذلك عبر الوساطة مع الوجهاء أو عبر عمليات أمنية محدودة تستهدف “المجموعات الخارجة عن القانون” حسب وصفه.
* استمرار الاحتجاجات السلمية: المطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية وتطبيق القرار 2254 ستظل موجودة، لكنها قد تتخذ أشكالًا أقل تصعيدًا في الفترة اللاحقة للاشتباكات.
* دور خارجي محدود ومراقب: ستستمر الدول الإقليمية والدولية (مثل الأردن والولايات المتحدة وإسرائيل) في مراقبة الوضع عن كثب، مع استمرار بيانات المطالبة بوقف العنف وحماية المدنيين، دون تدخل عسكري مباشر واسع النطاق.
العوامل الداعمة:
* تكلفة التصعيد على الجميع: جميع الأطراف، بما في ذلك النظام، الفصائل المحلية، والقوى الإقليمية، تدرك التكلفة الباهظة للتصعيد الشامل، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتعقيدات الجيوسياسية.
* الضغط الدولي: بيانات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي التي تدعو لوقف العنف وحماية المدنيين تشكل ضغطًا على النظام والأطراف المتحاربة.
* هشاشة التوازنات: المنطقة برمتها هشة، وأي تصعيد كبير في السويداء يمكن أن يفتح جبهات جديدة غير مرغوبة.
2. سيناريو التصعيد والانفجار الشامل (أقل ترجيحًا على المدى القصير، لكنه خطر قائم)
ملامحه:
* انهيار اتفاق التهدئة: تفشل جهود التهدئة، وتتجدد الاشتباكات على نطاق أوسع وبوتيرة أشد.
* تداخل الصراعات: يتحول الصراع بين العشائر إلى صراع طائفي أوسع، وتتدخل أطراف خارجية لدعم فصائل معينة، مما يحول السويداء إلى ساحة حرب شاملة.
* تدخل عسكري مباشر للنظام: يقرر النظام السوري اللجوء إلى القوة العسكرية المفرطة والواسعة النطاق لفرض السيطرة الكاملة على المحافظة، مما يؤدي إلى مواجهة مفتوحة مع “لجان الحماية” المحلية.
* تداعيات إقليمية: قد يؤدي هذا السيناريو إلى موجات نزوح ضخمة، وتدخلات إسرائيلية متكررة لحماية الدروز، وربما استغلال أطراف أخرى للفوضى لزعزعة الاستقرار في الجنوب السوري.
العوامل الداعمة:
* فشل المفاوضات والوعود: عدم وفاء النظام بالوعود أو فشل الاتفاقات قد يدفع الفصائل المحلية إلى التصعيد.
* استمرار الانتهاكات: استمرار أعمال الانتقام، عمليات الخطف، أو الانتهاكات ضد المدنيين قد يشعل فتيل الصراع من جديد.
* مؤثرات خارجية: تصاعد التوترات في المنطقة (مثل تصعيد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أو الإيراني-الإسرائيلي) قد ينعكس على السويداء ويدفع الأطراف للتوتر.
3. سيناريو التسوية السياسية الشاملة (بعيد الاحتمال على المدى القصير)
ملامحه:
* حوار جدي: تبدأ مفاوضات جدية بين النظام والفعاليات في السويداء، برعاية إقليمية ودولية فاعلة، للتوصل إلى حل سياسي شامل لوضع المحافظة.
* إعادة هيكلة إدارية وأمنية: يتم الاتفاق على منح السويداء نوعًا من اللامركزية الإدارية أو الأمنية، مع ضمان دور فعال للجيش السوري والمؤسسات الرسمية.
* تحسين الأوضاع المعيشية: يتم إطلاق برامج تنمية وإغاثة واسعة النطاق لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان.
* عودة النازحين: يتم العمل على عودة آمنة وكريمة للنازحين من المحافظة.
العوامل الداعمة:
* ضغوط دولية قوية: ممارسة ضغوط دولية غير مسبوقة على النظام لقبول حل سياسي.
* تغير في موقف النظام: قد يغير النظام السوري من سياسته تحت وطأة الأزمات المتراكمة، أو نتيجة لضغوط حلفائه.
* وحدة الموقف الدرزي: توحيد الصفوف داخل السويداء وتقديم مطالب واضحة وموحدة للنظام.
عليه فان الاشتباكات الأخيرة في السويداء كشفت عن مدى هشاشة الوضع في المحافظة، وعمق التوترات الكامنة بين مختلف المكونات، وتأثير التدخلات الخارجية (خاصة الإسرائيلية) على الديناميكيات المحلية.
في ظل هذه الظروف، يبدو سيناريو التهدئة الهشة والاحتواء هو الأكثر واقعية على المدى القصير، مع استمرار خطر التصعيد في حال فشل الاتفاقات أو تجدد الانتهاكات.
الحلول الجذرية، التي تتطلب تسوية سياسية شاملة، تبقى بعيدة المنال ما لم يحدث تغيير جوهري في طبيعة النظام السوري أو في حجم الضغوط الإقليمية والدولية عليه.
فما هي العوامل التي تعتقد أنها ستؤثر بشكل أكبر على تحقيق أي من هذه السيناريوهات؟





