“الأجواء إيجابية”… ولكن لبنان يتراجع

الأجواء إيجابية… من أكثر التعابير التي يتربى عليها المواطن في لبنان، وهي الدرس النظري الأول الذي يُعطى لأي مسؤول في بلادنا، والجواب الأول على السؤال الأول من أي امتحان إعلامي أو شعبي يخضع له.
تراجُع مستمر…
فالمسؤول اللبناني ينتقد السلطة قبل أن يدخلها، أو عندما يكون خارجها. وأما عندما يصبح ضمنها، فإن أول ما يقوله لك أنت كمواطن في لبنان، هو ان الأجواء إيجابية.
وأما بالممارسة العملية، وفي الإطار التطبيقي، نلمس أن لبنان يتراجع أكثر فأكثر، في كل مرة يزداد فيها الحديث عن أجواء إيجابية، بينما يتراجع المواطن اللبناني معه (لبنان) أيضاً.
كل الاجتماعات
وإذا رغبنا بالتوغّل والتوسّع قليلاً في عوالم الأجواء الإيجابية في بلادنا، فإننا نجدها في كل شيء، وصولاً الى ما قد يكون مُضحِكاً كثيراً. فعلى سبيل المثال، قد يُجيبك المسؤول في لبنان بأن الأجواء إيجابية، حتى في ما يتعلّق بأصغر وأبسط وأسهل الاجتماعات المحلية.
فروائح الأجواء الإيجابية قادرة على أن تفوح من لقاء بين نائبَيْن أو وزيرَيْن، أو بين نقيب ووزير، مهما كان عادياً، أو من زيارة محلية لمقرّ رئاسي، أو من جلسة نيابية، أو من جلسة لمجلس الوزراء، مهما كان جدول أعمالها عادياً.
كما أن الأجواء الإيجابية قادرة على أن تفوح من اجتماعات أكثر صعوبة وتعقيداً، كتلك شديدة الحساسية التي تجمع بين مسؤول محلّي كبير من جهة، وبين وفد دولي، أو أحد الموفدين الدوليين، من جهة أخرى، وذلك حتى ولو كانت الأوراق اللبنانية ناقِصَة أو باهِتَة، أو غير حاسمة، أو مُمَزَّقَة بنسبة معينة، ومهما كان المسؤول المحلي غير جاهز لأي نوع من الكلام، ولا حتى لاحتساء فنجان من القهوة مع مسؤول دولي.
تدهور إضافي
نعم، أجواء كل الاجتماعات اللبنانية إيجابية. وهي المعزوفة التي حفظتها حاسّة السّمع لدى أي مواطن لبناني.
وأما بالنتائج الملموسة، وفودٌ دولية تكرّر وتُعيد زياراتها للبنان عشرات المرات، الى درجة أن بعض المسؤولين أو الموفدين الدوليين، قد يحفظون رسومات الستائر، والأثاث، والجداريات، والسجاد… في المقرات المحلية الرسمية، لكثرة ما يكررون زياراتهم في لبنان، بسبب شحّ أو انعدام الالتزام المحلي بشيء، وضعف الاستجابة المحلية لشيء.
ومن النتائج الملموسة أيضاً، مباحثات خارجية قد تتواصل وتتكرّر في لبنان بالكلام نفسه، على مدى أشهر أو سنوات، لتصل في النهاية الى النتيجة المحلية نفسها، والتي هي الإمعان في انحلال الدولة اللبنانية، أو إسراع الخطوات باتّجاه تدهور أمني وعسكري، أو اقتصادي ومالي، أو سياسي… إضافي.
قرار وهمي
ورغم كل شيء، يحتفظ المسؤول اللبناني بهدوئه، ويُكرّر الكلام نفسه، من دون أدنى إحراج أو خجل، ويقول إن “الأجواء إيجابية”. فتلك هي الحالة الدائمة والثابتة في لبنان، بقرار سياسي مُتَّخَذ سلفاً، وليس لأن المسؤول يعمل لجعل الأحوال إيجابية.
نعم، هذا هو بلدنا. هذا هو لبنان، مع الأسف. أجواء إيجابية دائماً، مهما اسودّت الظروف. أجواء إيجابية بقرار وهمي دائم، وليس لأن هذا هو الواقع.
(انطوان الفتى)