خاصإقليميدولينزاعات وصراعات

تقدير موقف | الساحل السوري بين الاحتجاج الاجتماعي ومخاطر التحول السياسي

خاص – بيروت بوست

شهدت مدن وبلدات في الساحل السوري، في 28 كانون الأول 2025، تظاهرات ذات طابع معيشي – سياسي، تطورت في بعض نقاطها إلى رفع شعارات تطالب بـالفدرالية أو بصيغ حكم ذاتي/لامركزي موسّع. أهمية هذه التحركات لا تكمن فقط في مضمونها، بل في مكانها: الساحل الذي شكّل تاريخياً الخزان الاجتماعي والسياسي الأهم للنظام، والعمق الجغرافي–الأمني لسلطته.
فظهور خطاب فدرالي في هذه البيئة يُعد تطوراً نوعياً، لأنه يكسر إحدى المحرّمات السياسية التي قام عليها نظام أحمد الشرع منذ تثبيت سلطته: وحدة الكتلة الحاضنة مقابل حماية الدولة المركزية.

أولا: دوافع التحركات في الساحل:
أ- الانهيار الاقتصادي والاجتماعي:
لم يعد الساحل بمنأى عن الانهيار المالي، شحّ الخدمات، البطالة، وتآكل الطبقة الوسطى. فالإحساس السائد هو أن “المنطقة التي دفعت الكلفة الأعلى للحرب” لم تحصد أي عوائد سياسية أو اقتصادية.
ب- تفكك العقد الضمني بين النظام وحاضنته:
قام هذا العقد على معادلة: الولاء مقابل الاستقرار والحماية. اليوم، مع تراجع قدرة الدولة على توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، بدأت هذه المعادلة بالتصدع.
ج- تأثر المزاج المحلي بخطابات اللامركزية:
ما طُرح سابقاً في الشمال الشرقي والجنوب، بدأ يتسلل إلى الساحل بصيغة مختلفة: فدرالية كوسيلة حماية من الانهيار لا كمشروع انفصال.
د- صراعات داخل النخبة:
ثمة مؤشرات على تململ داخل شبكات اقتصادية وأمنية محلية تشعر بالتهميش لمصلحة دوائر ضيقة مرتبطة مباشرة بالرئاسة.

ثانيا: دلالات رفع شعار الفدرالية في الساحل:
الفدرالية هنا ليست مطلباً أيديولوجياً، بل أداة ضغط قصوى. فهي رسالة تقول إن “المركز لم يعد قادراً على إدارة الأطراف، حتى الأكثر ولاءً”. غير ان الخطورة تكمن في شرعنة فكرة أن وحدة الدولة لم تعد بديهية حتى في معاقلها.

ثالثا: تداعيات مباشرة على نظام أحمد الشرع:
أ- ضربة رمزية لشرعية الحكم:
النظام الذي بنى خطابه على حماية وحدة سوريا، يواجه اليوم احتجاجاً من بيئته يطالب بصيغة حكم تناقض هذا الخطاب.
ب- إرباك أمني وسياسي:
القمع العنيف في الساحل يحمل مخاطر مضاعفة:
كسر ما تبقى من الثقة، وفتح باب تصدّعات داخل الأجهزة المحلية ذاتها.
ج- تآكل الرواية الرسمية:
لم يعد ممكناً تسويق الاحتجاجات على أنها “مدفوعة من الخارج” أو “مشروع انفصالي”، لأن مصدرها هذه المرة من الداخل الصلب للنظام.
د- تأثير على شبكة التحالفات
الحلفاء، ولا سيما روسيا، ينظرون بقلق إلى أي اهتزاز في الساحل باعتباره تهديداً مباشراً لمصالحهم وقواعدهم ونفوذهم.

رابعا: السيناريوهات المحتملة:

أ- الاحتواء الناعم (الأرجح على المدى القصير):
وعود إصلاحية، تغييرات إدارية محدودة، تعزيز خطاب “اللامركزية الخدمية” من دون المساس بالمركز السياسي.

ب- القمع المقنّع: تفكيك التظاهرات بهدوء، اعتقالات انتقائية، تحميل المسؤولية لـ”مندسين”، مع مخاطر تصاعد الغضب الصامت.

د- انتقال العدوى السياسية: في حال فشل الاحتواء، قد تنتقل مطالب مشابهة إلى مناطق أخرى موالية، ما يشكّل تهديداً بنيوياً للنظام.

خامسا: الخلاصة الاستراتيجية:
ما يجري في الساحل السوري أخطر من كونه احتجاجاً عابراً. إنه مؤشر على تصدع عمودي داخل قاعدة النظام، وعلى تحوّل الفدرالية من شعار “الأطراف المهمّشة” إلى لغة احتجاج داخل المركز نفسه.
أكيد ان نظام أحمد الشرع لا يواجه اليوم تحدي إسقاط، بل تحدي إعادة تعريف علاقته ببيئته. فالفشل في قراءة هذه الرسالة سيحوّل الساحل من منطقة استقرار نسبي إلى ساحة قلق مزمن، ويضع وحدة الدولة، كما يراها النظام ، أمام اختبار غير مسبوق.

    اظهر المزيد

    مقالات ذات صلة

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    زر الذهاب إلى الأعلى