
خاص – بيروت بوست
عكس خطاب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، لحظة سياسية وأمنية شديدة الحساسية في مسار لبنان، في توقيت يتقاطع فيه الضغط الدولي المتصاعد حول ملف “حصر السلاح” مع استمرار الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية، ما منح الخطاب أبعادًا تتجاوز الإطار التعبوي إلى محاولة رسم معادلة سياسية–سيادية جديدة.
أولاً: الإطار العام للخطاب:
عمد الشيخ قاسم إلى وضع لبنان أمام ثنائية حادّة: السيادة أو الوصاية. هذه المقاربة ليست جديدة في خطاب حزب الله، لكنها تأتي هذه المرة بصيغة أكثر مباشرة، في ظل الحديث المتزايد دوليًا عن ربط أي دعم أو تسوية داخلية بملف نزع سلاح المقاومة.
بالتالي، يسعى الخطاب إلى:
– إعادة تعريف النقاش حول السلاح من كونه مسألة داخلية سيادية إلى كونه جزءًا من صراع إقليمي – دولي.
– تحميل الولايات المتحدة مسؤولية مباشرة عن الانهيار الاقتصادي والسياسي منذ 2019، بما يهدف إلى نزع الشرعية عن أي ضغط أميركي حالي.
ثانيًا: الرسائل الموجهة إلى الداخل اللبناني:
على المستوى الداخلي، يحمل الخطاب ثلاث رسائل أساسية:
– ترسيم خط أحمر واضح: نزع السلاح غير قابل للنقاش في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وعدم التزام إسرائيل باتفاق 2024. هنا يربط الحزب مصير سلاحه مباشرة بسلوك العدو، لا بإرادة داخلية أو دولية.
– إعادة تظهير شرعية المقاومة: من خلال التأكيد على دور حزب الله في “تحرير لبنان” وبناء الدولة، والعمل النيابي والحكومي، يسعى قاسم إلى مواجهة السرديات التي تُحمّل الحزب مسؤولية إضعاف الدولة.
– تحذير من الفتنة الداخلية: بالإشارة إلى استهداف العلاقة مع حركة أمل وإثارة الخلاف مع الناس، يلوّح الحزب بأن الضغط على ملف السلاح قد يُترجم توترًا داخليًا، وهو تحذير مبطّن من كلفة أي اندفاع رسمي أو شعبي في هذا الاتجاه.
ثالثًا: الرسائل إلى الدولة والجيش:
يشدد الخطاب على أن الدولة اللبنانية غير ملزمة بلعب دور “الشرطي” لصالح إسرائيل، في رسالة مباشرة إلى الحكومة والمؤسسة العسكرية. هذه النقطة تعكس قلق الحزب من:
– تحوّل الجيش إلى أداة تنفيذ غير متوازنة لبنود الاتفاق، من دون التزام مقابل من إسرائيل.
– استنزاف شرعية الجيش شعبيًا إذا بدا وكأنه ينفذ مطالب خارجية لا تحمي السيادة.
وفي المقابل، يذكّر قاسم بأن انتشار الجيش جنوب الليطاني كان مشروطًا بوقف العدوان والانسحاب وبدء الإعمار، ما يعني أن أي إخلال إسرائيلي ينسف الأساس السياسي والأخلاقي لهذا الانتشار.
رابعًا: البعد الإقليمي والدولي:
يربط الخطاب بشكل واضح بين مشروع نزع السلاح وبين الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية الهادفة إلى:
– تحييد لبنان عسكريًا.
– كسر قوة وازنة داخل المجتمع اللبناني.
– الإبقاء على الاحتلال في النقاط الخمس كأداة ضغط دائم.
بهذا المعنى، يوجّه الحزب رسالة للخارج مفادها أن الضغط على لبنان لن يؤدي إلى تنازلات إضافية، بل قد يدفع إلى تشدد أكبر، وأن أي تسوية لا تبدأ بإلزام إسرائيل ستكون مرفوضة.
خامسًا: التقدير الاستراتيجي:
يمكن تقدير الموقف على النحو الآتي:
– الخطاب يؤشر إلى مرحلة دفاعية–هجومية سياسيًا لحزب الله، دفاعية في حماية السلاح، وهجومية في تحميل واشنطن وتل أبيب مسؤولية المأزق اللبناني.
– الحزب يستعد على ما يبدو لمواجهة مرحلة ضغط طويلة، ويعمل على تحصين بيئته وحلفائه ورفع سقف الخطاب لمنع أي اختراق داخلي.
في المقابل، يزيد هذا الخطاب من حدة الاستقطاب الداخلي، ويُصعّب مهمة الدولة في المناورة بين متطلبات الخارج وموازين القوى الداخلية.
عليه، فان خطاب الشيخ نعيم قاسم ليس مجرد موقف إعلامي، بل إعلان سياسي واضح لقواعد الاشتباك المقبلة: لا نقاش في سلاح المقاومة قبل انسحاب إسرائيلي كامل ووقف الاعتداءات، ولا قبول بدور لبناني وظيفي يخدم أمن إسرائيل.
انه خطاب يضع لبنان أمام خيار صعب، بين تصعيد الضغوط الخارجية أو إعادة فتح النقاش حول مفهوم السيادة من زاوية مغايرة للسردية الدولية السائدة.





