تقدير موقف | اعتراف إسرائيل باستقلال “أرض الصومال”

خاص – بيروت بوست
يمثّل اعتراف إسرائيل بـ”أرض الصومال” (Somaliland) خطوة ذات دلالات استراتيجية تتجاوز البعد الدبلوماسي الشكلي، نظراً لحساسية الموقع الجغرافي للإقليم عند مدخل البحر الأحمر وخليج عدن، في نقطة تماس مباشرة مع خطوط الملاحة الدولية المؤدية إلى قناة السويس.
ورغم أنّ “أرض الصومال” أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، فإنها لم تحظَ حتى اليوم باعتراف دولي واسع، ما يجعل أي اعتراف رسمي بها كسراً لقاعدة دولية غير مكتوبة تقوم على الحفاظ على وحدة الصومال.
من هنا، يأتي هذا الاعتراف في لحظة إقليمية مضطربة، تتداخل فيها الحرب في غزة، والتوتر في البحر الأحمر، والصراع غير المباشر بين إسرائيل ومحور إيران، إضافة إلى تصاعد أهمية القرن الإفريقي كساحة تنافس بين قوى دولية وإقليمية.
أولا: الدوافع الاستراتيجية الإسرائيلية:
أ- الأمن البحري والبحر الأحمر:
تسعى إسرائيل إلى توسيع هامش حضورها الأمني والاستخباري على ضفاف البحر الأحمر وخليج عدن، في مواجهة التهديدات القادمة من اليمن (الحوثيين) أو من قوى إقليمية منافسة. فالاعتراف بأرض الصومال يفتح الباب أمام تعاون أمني وربما تسهيلات لوجستية قريبة من مضيق باب المندب.
ب- تطويق النفوذ الإيراني:
يشكّل القرن الإفريقي إحدى ساحات التنافس الصامت بين إسرائيل وإيران. فمن خلال بناء علاقات رسمية مع كيان يتمتع بموقع استراتيجي، تحاول إسرائيل تضييق الخناق على أي تمدد إيراني محتمل في شرق إفريقيا.
ج- سياسة الاعتراف بالأطراف الهامشية:
تاريخياً، اعتمدت إسرائيل على بناء علاقات مع كيانات غير مركزية أو غير معترف بها دولياً لتعزيز نفوذها الجيوسياسي، مستفيدة من هشاشة النظام الدولي في بعض المناطق. “أرض الصومال” تندرج ضمن هذا الإطار.
د- تعويض العزلة السياسية:
في ظل الانتقادات الدولية المتصاعدة لإسرائيل على خلفية الحرب في غزة، تسعى تل أبيب إلى تسجيل اختراقات دبلوماسية جديدة، ولو في ساحات هامشية نسبياً، لتأكيد قدرتها على كسر العزلة.
ثانيا: التداعيات الإقليمية:
أ- على الصومال ووحدة أراضيه:
يشكّل الاعتراف الإسرائيلي ضربة سياسية للحكومة الفيدرالية الصومالية، ويمنح الانفصاليين في “أرض الصومال” زخماً معنوياً وسياسياً، ما قد يفتح الباب أمام مطالب مماثلة في أقاليم أخرى ويهدد بإعادة إنتاج الفوضى.
ب- على القرن الإفريقي:
قد يؤدي هذا التطور إلى زيادة حدة التنافس الإقليمي، خصوصاً مع دول مثل إثيوبيا وجيبوتي، التي تراقب أي تغيير في موازين النفوذ على البحر الأحمر بحساسية عالية.
ج- ردود الفعل العربية والإسلامية:
من المرجح أن يلقى الاعتراف الإسرائيلي رفضاً عربياً وإسلامياً واسعاً، باعتباره تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة عربية وإفريقية، وخطوة تهدد الأمن القومي العربي، ولا سيما أمن البحر الأحمر.
ثالثاً: التداعيات الدولية:
أ- سابقة قانونية خطرة
الاعتراف بكيان غير معترف به دولياً يضع إسرائيل في موقع المتحدي لمبدأ وحدة الدول، وقد يُستخدم كسابقة في نزاعات انفصالية أخرى حول العالم.
ب- توظيف سياسي محدود التأثير:
رغم رمزيته، يبقى تأثير الاعتراف محدوداً ما لم تلتحق به قوى دولية وازنة. غير أن خطورته تكمن في كونه خطوة أولى قد تشجع أطرافاً أخرى على السير في الاتجاه نفسه.
رابعاً: تقدير موقف:
على المدى القصير، يحقق الاعتراف مكاسب تكتيكية لإسرائيل في مجال النفوذ البحري والاستخباري. أما على المدى المتوسط والبعيد، فإنه يفتح باباً لتوترات إقليمية إضافية في منطقة تعاني أصلاً من هشاشة أمنية عالية. كما أنه يرسّخ صورة إسرائيل كطرف مستعد لتفكيك الكيانات القائمة خدمةً لمصالحه الاستراتيجية، ما قد يفاقم منسوب العداء لها في إفريقيا والعالم العربي.
عليه، فان اعتراف إسرائيل باستقلال “أرض الصومال” ليس خطوة معزولة أو رمزية، بل جزء من إعادة تموضع استراتيجي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي. غير أنّ كلفة هذه الخطوة، سياسياً وأمنياً، قد تتجاوز مكاسبها، خصوصاً إذا تحولت إلى عامل تفجير جديد للصراعات في واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة.




