خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

تقدير موقف | اعلان إسرائيل قتل جندي لبناني

خاص – بيروت بوست

مثّل إعلان إسرائيل عن استهدافها جنديًا لبنانيًا بتهمة “تعاونه مع حزب الله” تطورًا بالغ الخطورة في الشكل والمضمون، مع نقله المواجهة من إطارها العسكري الحدودي إلى مستوى استهداف مباشر لركائز الدولة اللبنانية، وفي مقدّمها المؤسسة العسكرية.

فالمسألة لا تتعلّق بعملية أمنية محدودة بقدر ما ترتبط بإدارة صراع سرديات، وبمحاولة إعادة تعريف طبيعة الاشتباك مع لبنان في مرحلة إقليمية شديدة الحساسية.

فيما يلي أبرز النقاط التي يجدر التوقف عندها:

– أولًا، من زاوية الرسائل الاستراتيجية، تعمّد الإعلان الإسرائيلي إخراج الواقعة إلى العلن وربطها بالجيش اللبناني، لا بالحزب فقط. هذا الربط ليس تفصيلًا تقنيًا، بل جزء من مقاربة تهدف إلى نزع “المنطقة الرمادية” التي طالما استفادت منها الدولة اللبنانية في علاقتها مع المجتمع الدولي.

فإسرائيل تسعى إلى تثبيت رواية مفادها أن الجيش لم يعد منفصلًا بنيويًا عن حزب الله، ما يسهّل لاحقًا تبرير توسيع دائرة الاستهداف أو فرض شروط أكثر تشددًا تتصل بالقرار 1701 ودور الجيش جنوب الليطاني.

– ثانيًا، التوقيت حمل دلالات إضافية. يأتي الإعلان في ظل تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية على لبنان، ومع نقاش داخلي حاد حول حصرية السلاح، وفي لحظة يسعى فيها الجيش إلى تثبيت موقعه كضامن للاستقرار وكشريك موثوق للمجتمع الدولي.

من هنا، يمكن قراءة الخطوة كجزء من محاولة إسرائيلية استباقية لتقويض أي رهان خارجي على الجيش اللبناني كبديل أو كحائط صدّ مستقل، عبر التشكيك بنزاهته وحياده.

– ثالثًا، على مستوى الحرب النفسية، هدف الادعاء إلى ضرب الثقة الداخلية بالمؤسسة العسكرية، وإلى فتح باب الشكوك المتبادلة داخل المجتمع اللبناني، في بيئة سياسية شديدة الانقسام أصلًا.

فإشاعة فكرة “الاختراق” من داخل الجيش تُستخدم تاريخيًا كأداة تفكيك معنوي، لا سيما في دول تعاني هشاشة سياسية وطائفية. هنا، تراهن إسرائيل على تضخيم الأثر السياسي والاجتماعي للإعلان، بغضّ النظر عن دقته أو صدقيته.

– رابعًا، من زاوية القانون الدولي، فإن الإعلان، حتى لو صحّت الرواية الإسرائيلية، طرح إشكالية خطيرة. فقيام دولة باستهداف عنصر في جيش دولة أخرى، خارج حالة حرب مُعلنة، وبصورة أحادية، يشكّل انتهاكًا صارخًا للسيادة، ويضع العملية في خانة الاغتيال السياسي – العسكري.

أما الاكتفاء بسردية “التعاون مع حزب الله” لتبرير الفعل، فهو محاولة لإضفاء شرعية لاحقة على انتهاك قائم، وليس دليلًا قانونيًا بحد ذاته.

– خامسًا، لبنانيًا، وضع هذا التطور الدولة أمام اختبار بالغ الدقة. فالانجرار إلى نفي سياسي متسرّع أو إلى تبنّي الرواية الإسرائيلية يُعدّ خطأً استراتيجيًا، كما أن تجاهل القضية أو التعامل معها كحادث عابر يفتح الباب أمام تكريس سابقة خطيرة.

فالمطلوب مقاربة مزدوجة: حماية سمعة الجيش ومكانته الوطنية والدولية، وفي الوقت نفسه الإصرار على أن أي ادعاء يجب أن يُعالَج عبر القنوات القضائية اللبنانية، لا عبر الإعدامات الميدانية العابرة للحدود.

– سادسًا، على مستوى التصعيد المحتمل، يُخشى أن يكون الإعلان تمهيدًا لتوسيع بنك الأهداف تحت عنوان “البنية المسانِدة”، بما قد يشمل أفرادًا أو مواقع تُصنّفها إسرائيل بأنها تقع في الحلقة الرمادية بين الدولة والحزب.

امر يرفع منسوب المخاطر على الاستقرار الداخلي، ويزيد احتمالات الانزلاق إلى مواجهة أوسع، ولو غير مقصودة.

عليه، فان إعلان إسرائيل ليس حدثًا معزولًا، بل حلقة في استراتيجية ضغط متكاملة تستهدف تقويض الفصل بين الدولة والمقاومة، وضرب آخر أعمدة التماسك اللبناني، أي الجيش.

هنا، المعركة ليست فقط عسكرية، بل سياسية وإعلامية وقانونية. فنجاح لبنان في احتواء تداعياتها يتوقف على قدرته في تثبيت روايته السيادية، وحماية مؤسساته، ومنع تحويل الادعاءات الإسرائيلية إلى وقائع سياسية مفروضة بقوة النار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى