
خاص – بيروت بوست
أولاً: قراءة في جوهر النص وفلسفته العامة:
النص الوارد في مشروع القانون الموزع يتعامل مع الفجوة المالية بوصفها واقعاً محاسَبياً يجب تنظيمه أكثر مما هي أزمة نظامية يجب تفكيك أسبابها.
فهو ينطلق من تثبيت حجم الخسائر المتراكمة في ميزانيات مصرف لبنان والمصارف التجارية، ثم يسعى إلى توزيعها عبر آليات قانونية، من دون أن يواكب ذلك مسار واضح للمحاسبة أو لتغيير النموذج الاقتصادي الذي أنتج هذه الخسائر.
بمعنى آخر، يقدم النص إدارة للخسائر لا حلاً للأزمة، ويُظهر توجهاً لتدوير الزوايا السياسية والمالية بدل كسر الحلقة المفرغة التي يعيشها الاقتصاد اللبناني منذ 2019.
ثانياً: تقييم المقاربة المعتمدة في توزيع الخسائر:
يُظهر النص ميلاً واضحاً إلى:
– تحميل مصرف لبنان العبء الأكبر من الخسائر الدفترية
– شطب رساميل المصارف أو جزء منها
– تأجيل حسم الخسائر النهائية عبر أدوات طويلة الأجل (سندات، قيود، أو التزامات مؤجلة).
إلا أن هذه المقاربة تعاني من ثلاث ثغرات أساسية:
أ- غياب تحديد المسؤوليات:
لا يميّز النص بوضوح بين الخسائر الناتجة عن سياسات عامة، وتلك الناتجة عن سوء إدارة أو مخالفات مصرفية.
ب- التحميل غير المباشر للمودعين:
رغم اللغة التقنية، يؤدي تطبيق النص عملياً إلى تثبيت اقتطاع طويل الأمد من الودائع، سواء عبر تآكل قيمتها أو عبر تحويلها إلى أدوات مالية منخفضة السيولة.
ج- تجاهل البعد الاجتماعي والاقتصادي:
النص يعالج الفجوة كمسألة مالية صِرفة، متجاهلاً أثرها على الطلب الداخلي، والاستثمار، والنمو.
ثالثاً: الأثر الاقتصادي المتوقع للنص:
اقتصادياً، يُتوقّع أن يؤدي تطبيق النص بصيغته الحالية إلى:
استمرار الانكماش الاقتصادي، نتيجة ضرب القدرة الشرائية،
تعزيز الاقتصاد النقدي، وتقويض أي فرصة لإعادة الثقة بالنظام المصرفي، شلل في الائتمان، ما يمنع تحريك عجلة الإنتاج والاستثمار.
كما أن غياب رؤية متكاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد (الصناعة، الزراعة، الصادرات) يجعل النص قانوناً مالياً بلا أفق اقتصادي.
رابعاً: الأثر المالي والنقدي:
من الناحية المالية والنقدية:
أ- يكرّس النص واقع “الإفلاس المبطّن” لمصرف لبنان بدل معالجته جذرياً
ب- لا يقدّم ضمانات حقيقية لاستقرار نقدي طويل الأمد
ج- يؤجّل معالجة اختلال سعر الصرف بدل تثبيت مسار واضح له
بذلك، يصبح القانون أداة لتثبيت الأمر الواقع لا لاستعادة التوازن المالي.
خامساً: العلاقة مع صندوق النقد الدولي:
رغم أن النص يندرج شكلياً ضمن متطلبات صندوق النقد الدولي، إلا أنه:
– لا يحقق مبدأ عدالة توزيع الخسائر بشكل واضح
– يفتقر إلى الحوكمة والشفافية المطلوبة دولياً
– يعرّض لبنان لخطر الدخول في اتفاق شكلي مع الصندوق من دون تحقيق تعافٍ فعلي.
وهذا قد يضع لبنان في موقع الطرف الذي “نفّذ المطلوب شكلياً” لكنه فشل اقتصادياً.
سادساً: تقدير موقف – التداعيات السياسية والاقتصادية:
في حال إقرار النص كما هو:
أ- تهدئة سياسية قصيرة المدى
ب- تصاعد النقمة الشعبية لاحقاً
ج- استمرار النزيف الاقتصادي والاجتماعي،
د- فقدان أي أمل بعودة الثقة المحلية أو الخارجية.
في حال تعديل النص جذرياً:
أ- إعادة فتح النقاش حول المسؤوليات
ب- تحسين فرص حماية صغار ومتوسطي المودعين
ج- تعزيز موقع لبنان التفاوضي دولياً
د- خلق نافذة حقيقية للتعافي التدريجي.
خلاصة تقديرية:
النص الموزع من قبل الامانة العامة لمجلس الوزراء، لمشروع قانون الفجوة المالية، لا يشكّل، بصيغته الحالية، حلّاً للأزمة المالية في لبنان، بل هو محاولة لتأطيرها قانونياً وتأجيل انفجارها الكامل.
نجاحه أو فشله لا يرتبط بإقراره في مجلس الوزراء أو البرلمان، بل بقدرته على:
– تحقيق عدالة في توزيع الخسائر
– استعادة الثقة
– ربط المعالجة المالية بإصلاح اقتصادي شامل.
من دون ذلك، سيبقى قانون الفجوة المالية عنواناً كبيراً لحلّ صغير.




