خاص – بيروت بوست
شهد لبنان في الخامس من كانون الأول 2025 مهرجان “نجيع ومداد”، حيث ألقى أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم خطابًا استراتيجيًا محمّلًا بالرسائل السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، في توقيت حساس للغاية على الصعيد اللبناني.
يأتي هذا الخطاب في سياق أزمات متعددة: استمرار الانهيار الاقتصادي، الشلل السياسي، توترات داخلية بين القوى اللبنانية، وتداعيات إعلان الولايات المتحدة استراتيجية الأمن القومي في ذات اليوم، والتي ركّزت على الحدّ من النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط مع إعادة توجيه الاهتمام نحو نصف الكرة الغربي وملفات الهجرة والديموغرافيا.
الخطاب لم يقتصر على التأكيد على دور حزب الله كمكون سياسي وعسكري داخلي، بل تجاوز ذلك إلى محاولة إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية من خلال الرسائل الموجهة إلى اللاعبين الإقليميين والدوليين. حيث يمكن اعتباره بمثابة موازنة استراتيجية للخطاب الأميركي، ومحاولة لتثبيت موقع الحزب في المشهد اللبناني كفاعل مركزي قادر على التأثير في الملفات الداخلية والخارجية، مستغلاً أي فجوة في الانتباه الأميركي أو التراجع الغربي عن بعض الالتزامات الإقليمية.
من منظور داخلي، حمل الخطاب إشارات قوية لتعزيز القاعدة الشعبية للحزب، وترسيخ موقعه السياسي في مواجهة خصومه التقليديين، مع إبراز قدرته على حماية الهوية الوطنية والمقاومة. أما على المستوى الإقليمي، فقد كرّس الخطاب فكرة الانخراط ضمن محور المقاومة، مع التأكيد على شبكة التحالفات مع إيران وسوريا وغيرها من الحلفاء، وتوجيه رسائل ردعية للولايات المتحدة والدول الغربية، مفادها أن الحزب لن يقبل بأي محاولات لتقييد تأثيره أو تقويض دوره.
هذه المقدمة تمهد لفهم خطاب القاسم ليس كمجرد خطاب سياسي موسمي، بل كجزء من استراتيجية متكاملة تهدف إلى توجيه الرسائل داخليًا وإقليميًا ودوليًا، في مرحلة دقيقة تتقاطع فيها التحولات الداخلية اللبنانية مع تحولات استراتيجية أميركية كبرى، ما يجعل فهمه ضرورة لتقدير الموقف اللبناني والإقليمي بشكل واقعي.
1. الأبعاد الداخلية:
– تعزيز النفوذ السياسي والمجتمعي: ركّز القاسم على خطاب الوحدة والمقاومة، مع إبراز حزب الله كحامي للهوية الوطنية والمقاومة، ما يعكس استراتيجية لتعزيز موقع الحزب أمام خصومه السياسيين في لبنان.
– رسائل تحذيرية ضمنية: من خلال التلميح إلى التهديدات الخارجية والداخلية، أراد القاسم إرسال رسالة لخصومه السياسيين بأن الحزب سيبقى لاعبًا محوريًا في صياغة أي تسوية سياسية، خاصة في سياق ضعف الدولة اللبنانية وغياب رؤية واضحة من السلطة السياسية.
– تعزيز الحاضنة الشعبية: تناول قضايا اجتماعية واقتصادية محلية، وهو جزء من استراتيجية الحزب لتثبيت القاعدة الشعبية في مناطق النفوذ التقليدية، خصوصًا وسط الغضب الشعبي المتزايد من الأزمة الاقتصادية.
2. الأبعاد الإقليمية:
– رد على الضغوط الأميركية والإسرائيلية: الخطاب جاء بعد إعلان استراتيجية الأمن القومي الأميركي، التي ركّزت على الحدّ من النفوذ في الشرق الأوسط. القاسم استخدم الخطاب لتأكيد قدرة الحزب على الصمود والتأثير الإقليمي، وإرسال رسالة بأن أي تقليل أميركي للوجود لا يعني تراجعًا عن “محور المقاومة”.
– تأكيد التحالفات الإقليمية: الإشارات إلى إيران وسوريا وبعض الحلفاء الإقليميين تظهر أن الحزب يسعى لتثبيت موقعه ضمن شبكات النفوذ الإقليمية، مستغلًا أي تراجع أميركي أو غربي في المنطقة لتعزيز دوره.
3. الأبعاد الدولية:
– رسائل ردعية واستراتيجية: استُخدمت لغة الخطاب لتوجيه رسالة إلى القوى الدولية، خصوصًا الولايات المتحدة وأوروبا، بأن الحزب لن يقبل بأي محاولات لتقييد تأثيره، وأنه قادر على تحريك معادلات القوة في لبنان والمنطقة.
– إبراز الاستقلالية النسبيّة: من خلال التأكيد على قدرته على اتخاذ القرارات الداخلية والخارجية بعيدًا عن الضغط الدولي المباشر، يعكس الخطاب استراتيجية سياسية تهدف إلى زيادة هامش المناورة اللبنانية في مواجهة ضغوط خارجية.
التقدير الاستراتيجي:
– الرسالة الأساسية: حزب الله يثبت موقعه كقوة مركزية في لبنان والمنطقة، مع تأكيد استعداده لمواجهة أي محاولات لإضعافه.
– الغاية الداخلية: تعزيز القاعدة الشعبية وتثبيت النفوذ السياسي، واستباق أي تغييرات في المشهد اللبناني قد تضعف الحزب.
– الغاية الإقليمية والدولية: توجيه رسائل ردعية للغرب والولايات المتحدة، وتأكيد مكانة الحزب ضمن محور المقاومة، مع استغلال أي تحولات استراتيجية أميركية لصالحه.




