خاص – بيروت بوست
تعكس الرسالة التي وجهها عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي إلى الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام تحولاً نوعياً في الخطاب الأميركي تجاه الدولة اللبنانية، وتحديداً في ما يتعلق بملف نزع سلاح حزب الله. فهذه ليست مجرد مطالبة تقليدية، بل ضغط مباشر ومُعلن باسم الحزبين، يتضمن تهديداً واضحاً بسحب الدعم، والدفع نحو خيارات قصوى تصل إلى استخدام القوة في الداخل اللبناني.
أولاً: خلفية الرسالة ودوافعها
الرسالة تأتي في سياق ثلاثة عوامل رئيسية:
- اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2024 الذي صاغته واشنطن وضغطت لتمريره، والذي اعتبره الأميركيون أساساً لإعادة رسم قواعد الاشتباك في الجنوب، وتحديد موقع حزب الله وحدود دوره. من هنا، فإن أي إخلال بالاتفاق يُترجم في واشنطن بوصفه تقويضاً لمصداقيتها الدولية.
- الاستقطاب داخل الكونغرس على ملفات الشرق الأوسط، حيث يحاول المشرّعون الظهور بمظهر الحزم في مواجهة إيران ووكلائها، خصوصاً في ظل اقتراب انتخابات رئاسية أميركية قد تعيد خلط الأوراق.
- ارتفاع مستوى التنسيق الأميركي – الإسرائيلي بعد حرب 2024، وازدياد الضغوط داخل إسرائيل لدفع واشنطن نحو موقف أكثر صرامة تجاه حزب الله، خشية الانزلاق إلى مواجهة جديدة.
ثانياً: دلالات الرسالة بالنسبة إلى لبنان
الرسالة تحمل ثلاث إشارات شديدة الوضوح:
- نزع سلاح حزب الله يعود إلى صدارة أولويات واشنطن، بعدما كان ملفاً مؤجلاً لصالح إدارة التهدئة. إعادة فتحه بهذا الأسلوب تعني أنّ الضغوط الأميركية ستزداد خلال الأسابيع المقبلة.
- تهديد بسحب الدعم المالي والسياسي، وهو تطور بالغ الخطورة، لأنّ الولايات المتحدة تُعدّ الممول الأكبر للجيش اللبناني والداعم الأساسي لاستقرار المؤسسات. التلويح بوقف هذا الدعم يهدف للضغط على الحكومة الجديدة ودفعها إلى إثبات جدارتها أمام المجتمع الدولي.
- تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية أي حرب جديدة: الرسالة تعتبر أن “التقاعس” الحكومي—not السلوك الإسرائيلي—هو ما يقرب لبنان من المواجهة. هذه الصياغة تُراد منها إعادة تشكيل الرواية الدولية في حال تدهورت الأوضاع.
ثالثاً: رسائل مبطنة لحزب الله وإيران
الرسالة ليست موجّهة فقط إلى المسؤولين اللبنانيين، بل تُشكّل إنذاراً سياسياً لحزب الله بأنّ فترة السماح بعد اتفاق 2024 انتهت، وأنّ أي إعادة تموضع جنوب الليطاني ستُعتبر خرقاً قد يبرّر تحركاً إسرائيلياً بدعم دولي.
كما تحمل ضغطاً غير مباشر على إيران، عبر القول إنّ واشنطن لن تترك الساحة اللبنانية تتحول إلى ورقة إضافية في المفاوضات النووية أو الصراع الإقليمي.
رابعاً: السيناريوهات المتوقعة
- تصعيد سياسي ودبلوماسي: ستستغل واشنطن ومجموعة الدول الداعمة للبنان الرسالة لزيادة الضغط على الحكومة وإجبارها على اتخاذ إجراءات رمزية على الأقل في الجنوب.
- تصلّب إسرائيلي: من المرجح أن تُستثمر الرسالة كغطاء لعمليات محدودة في الجنوب، تحت عنوان “منع إعادة التموضع”.
- ارتدادات داخلية: الحكومة اللبنانية ستجد نفسها أمام معادلة معقدة بين تلبية الضغوط الأميركية والحفاظ على التوازن الداخلي، خصوصاً أن أي خطوة تُشمّ منها رائحة مواجهة داخلية ستُفجّر الوضع السياسي.
خلاصة التقدير
الرسالة تمثل أعلى مستوى ضغط أميركي على الدولة اللبنانية منذ العام 2005، وهي محاولة واضحة لدفع الحكومة الجديدة إلى اختبار قدراتها وميزان قوتها. في الجوهر، واشنطن تعلن أنّ مرحلة تدوير الزوايا انتهت، ومرحلة المحاسبة بدأت. لكن في المقابل، تبقى قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ أي مطلب من هذا النوع محدودة في ظل موازين القوى الداخلية والإقليمية.
هذا التصعيد اللفظي يُنذر بأنّ لبنان يدخل مرحلة سياسية حساسة، يُعاد فيها تحديد حدود الأدوار، ما يجعل الأشهر المقبلة مفصلية بين تعزيز الاستقرار أو فتح الباب على مواجهة جديدة قد لا يتحملها البلد.
النواب الموقعون على الرسالة: جوش غوتهايمر (ديموقراطي عن نيوجيرسي)، جيفرسون شريف (جمهوري عن إنديانا)، ودون بيكون (جمهوري عن نبراسكا)، وغاس بيليراكيس (جمهوري عن فلوريدا)، ومارك ميسمر (جمهوري عن إنديانا)، وتوم سوزي (ديموقراطي عن نيويورك)، وكلوديا تيني (جمهورية عن نيويورك)، ودون ديفيس (ديموقراطي عن كارولاينا الشمالية)، وجاريد غولدن (ديمقراطي عن مين).


