خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

بين “مطار المزة” و”مطار رياق” …. خط تماس المرحلة المقبلة؟

خاص – بيروت بوست

في خطوةٍ تعيد رسم خرائط النفوذ في المنطقة، كشفت تقارير غربية عن استعداد الجيش الأميركي لإقامة وجودٍ عسكري في مطار المزة العسكري بدمشق، أحد أكثر المواقع حساسية في سورية.

خطوةٌ بدت في ظاهرها “محدودة”، لكنها في عمقها تُعبّر عن تحوّل استراتيجي في مقاربة واشنطن للملف السوري – اللبناني، بما يتجاوز العناوين الميدانية نحو تثبيت نفوذ دائم في قلب المعادلة الإقليمية.

فمطار المزة ليس مجرد موقعٍ عسكري؛ بل هو “نقطة سيادية” في خاصرة دمشق الغربية، تطل على محور يربط العاصمة بالحدود اللبنانية. وبالتالي فان أي وجودٍ أميركي هناك يعني ببساطة أن واشنطن قررت الانتقال من مراقبة الصراع إلى التموضع في قلبه، لتصبح على تماس مباشر مع خطوط الإمداد الإيرانية وطرق تنقّل حزب الله.

عليه، فان الرسالة الأولى واضحة: الولايات المتحدة لم تخرج من الميدان السوري، بل تعود من بوابة استراتيجية هذه المرة، حيث يتقاطع أمن إسرائيل مع نفوذ إيران ومعادلات لبنان الداخلية.

ماذا تريد واشنطن؟

يظهر التحليل العسكري أن الهدف لا يقتصر على مراقبة التحركات “الاعداء” فحسب، بل يمتد إلى:

  • إعادة تموضع استخباراتي يسمح برصد الحدود اللبنانية – السورية والأنشطة اللوجستية لحزب الله، مع التذكير ان واشنطن عرضت مد سلطة “الميكانيزم” وصلاحياتها لتشمل الحدود اللبنانية السورية.
  • تقييد هامش المناورة الإيراني في الجنوب السوري، الذي تحوّل منذ سنوات إلى منطقة عبور للعتاد والمستشارين.
  • طمأنة إسرائيل بأنّ الجنوب لن يتحول إلى جبهة مفاجآت جديدة.

بكلماتٍ أخرى، هو “تحصين استباقي” قبل أي حرب محتملة مع حزب الله، أو بالأحرى، تمهيد ميداني لمعادلة ردع جديدة تُبقي واشنطن داخل المعركة من دون أن تطلق رصاصة.

مع ملاحظة، ان كل الوفود الاميركية التي زارت سوريا، اخيرا، استخدمت مطار المزة العسكري، الذي عاينه جوا قائد القيادة المركزية الاميركية الادميرال براد كوبر برفقة توم براك.

وسط هذا المشهد، من الطبيعي أن يتأثر لبنان مباشرة بهذا التطور. فالوجود الأميركي، ولو رمزي، قرب حدوده الشرقية، يقلّص مساحة الحركة أمام حزب الله ويضع الحكومة اللبنانية أمام واقع جديد: ميزان القوى لم يعد محصوراً بين الجيش والمقاومة، بل دخل لاعب ثالث يحمل الغطاء الدولي الكامل.

فسياسياً، ستحاول واشنطن استخدام هذا الانتشار كورقة ضغط في أي تسوية مقبلة تتعلق بالحدود الجنوبية أو ملف ترسيم النفوذ مع إسرائيل.

أما ميدانياً، فإنّ مجرد تفعيل قاعدة المزة أميركياً يعني تضييق الخناق على “الممرّ الإيراني” الممتد من طهران إلى بيروت، وهو ما سيُترجم عاجلاً أو آجلاً بتوتّر أمني في البقاع والجنوب.

قراءة في المعادلة المقبلة

في المنطق العسكري، من يملك المطار يملك الأفق.
وإذا صحّ أن الأميركيين يتحضّرون للتموضع في المزة، فهذا يعني أن معركة النفوذ انتقلت من صحراء دير الزور إلى قلب دمشق، ومن هناك إلى حدود لبنان.
فما بين “مطار المزة” و”مطار رياق” خط تماس افتراضي جديد قد يُحدّد ملامح المرحلة المقبلة في الإقليم، حيث كل تحرّك أميركي سيقابله حساب لبناني دقيق، وكل صمت من المقاومة قد يخفي عاصفة مقبلة.

في الخلاصة، بين تكذيب سوري وتحفّظ أميركي وصمت لبناني، يبدو المشهد كلوحة انتظار مفتوحة على الاحتمالات.
لكن المؤكد أن الجنوب اللبناني لن يبقى بعيداً عن المزة، وأن أيّ تثبيت أميركي في دمشق سيترك بصمته على معادلات الردع شمالاً وجنوباً.
ففي منطق الحروب الباردة التي تعود اليوم بثوب جديد، من يسيطر على المطار …. يملك مفتاح اللعبة …. هكذا كان الامر مع طهران وهكذا سيكون مع واشنطن ….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى