بين الدب الروسي والتنين الصيني …. “ترامب” اختار “شي”

خاص – بيروت بوست
في عالم العلاقات الدولية، لا تمرّ الإشارات الصغيرة مرور الكرام. فكل لقاء يُلغى، وكل مصافحة تُؤجَّل، وكل صورة تُلتقط، تحمل في طيّاتها رسائل استراتيجية أعمق من ظاهرها. وفي هذا السياق، أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب استبدال لقائه المرتقب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بلقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، عاصفة من التحليلات حول دلالات الخطوة وتداعياتها المحتملة على التوازنات العالمية.
فالاجتماع الذي كان يُفترض أن يجمع ترامب وبوتين، كان منتظراً بوصفه اختباراً جديداً للعلاقات الأميركية – الروسية، في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وتعقّد ملفات الطاقة والعقوبات والمواجهات غير المباشرة بين الطرفين في الشرق الأوسط وأفريقيا. لكنّ قرار ترامب المفاجئ بتحويل وجهته نحو بكين حمل في طيّاته أكثر من مجرد تعديل في جدول المواعيد الدبلوماسي: إنه إعلان ضمني عن إعادة ترتيب أولويات واشنطن، وربما أيضاً عن انتقال مركز الاهتمام الأميركي من الجبهة الأوروبية إلى الجبهة الآسيوية.
فاللقاء مع الرئيس الصيني لا يأتي في فراغ، بل في لحظة شديدة الحساسية يتقاطع فيها الاقتصاد والسياسة والأمن في معادلة دولية متشابكة، فالصين اليوم تمثل التحدي الأكبر لواشنطن من حيث النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي، لكنها في الوقت نفسه شريك لا يمكن تجاهله في إدارة ملفات كبرى مثل التجارة العالمية، الطاقة، وأمن المحيط الهادئ. لذا، فإنّ استبدال لقاء بوتين بلقاء شي قد يُقرأ كمناورة استراتيجية تهدف إلى فتح قنوات تفاوضية جديدة، أو ربما لخلق توازن مضاد في مواجهة موسكو عبر بكين.
من جهة أخرى، لا يمكن إغفال البعد الرمزي والسياسي للخطوة. ففي حين تتراجع العلاقات الأميركية – الروسية إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، قد يسعى ترامب إلى تقديم نفسه على الساحة الدولية كقائد “براغماتي” قادر على تجاوز الانقسامات التقليدية والانفتاح على القوى الصاعدة. لكنّ مثل هذه الخطوة، على جرأتها، تنطوي على مخاطر لا تقلّ وزناً عن فرصها: إذ قد تُثير امتعاض موسكو، وتربك الحلفاء الأوروبيين، وتُفتح باب التأويلات حول مدى ثبات السياسة الخارجية الأميركية واتساقها.
من هنا، لا يُمكن النظر إلى استبدال لقاء بوتين بلقاء شي بوصفه تفصيلاً بروتوكولياً فحسب، بل كمؤشّر على تحوّل في الاتجاهات الكبرى داخل الاستراتيجية الأميركية: من سياسة المواجهة مع روسيا إلى محاولة “الترويض” أو “الاحتواء الذكي” للصين، في لعبة توازن دقيقة قد تعيد رسم خرائط القوة في القرن الحادي والعشرين.



