خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

هل انقلب نواف سلام على مواقفه السابقة

خاص – بيروت بوست – محمد صايغ

قبل ايام أطل رئيس الحكومة نواف سلام، مطلقا موجة من “المواقف”، اربكت للوهلة الاولى المتابعين السياسيين والمراقبين، الذي تركت المفاجأة لدى بعضهم انطباعا بان سيد السراي قد انقلب على مواقفه السابقة منذ توليه الرئاسة الثالثة.

غير ان التدقيق في تصريحه، بعد التشريح والتمحيص، يظهر بما لا يقبل الشك ان رئيس الحكومة نواف سلام قررفتح صفحة جديدة في لغته السياسية تجاه حزب الله، لا من باب التبديل في المواقف، بل من باب الواقعية السياسية التي تفرضها المعادلات اللبنانية. فسلام، الذي لطالما رفع شعار “الدولة أولًا”، اختار هذه المرة لغة مزدوجة بين الحزم والاعتراف: تمسك بمبدأ حصر السلاح بيد الدولة، لكنه في الوقت نفسه أقر بدور حزب الله في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الجنوب، في مقاربة غير معهودة في خطابه.

أوساط سياسية متابعة وصفت كلام الرئيس، بأنه “رسالة توازن دقيقة”، موجهة إلى الداخل اللبناني وإلى الخارج على حد سواء، في لحظة إقليمية مشحونة وتوازنات محلية معقدة. فهل بدّل نواف سلام فعلاً موقفه من الحزب، أم أنه أعاد تموضع لغته بما يخدم هدفًا استراتيجيًا أوسع؟

منذ اليوم الأول لتولّيه رئاسة الحكومة، لم يُخفِ سلام إيمانه العميق بأن لا دولة قادرة على الاستمرار من دون احتكارها للسلاح وقرار الحرب والسلم، معيدا التاكيد على أن هذا المبدأ ليس موجّهًا ضد حزب الله بقدر ما هو تعبير عن جوهر الدولة الحديثة، على ما يؤكد المقربون منه.

مصادر مقربة من السراي الحكومي تؤكد أن سلام “لم ولن يساوم على مبدأ السيادة”، لكنّه بات يدرك أن التعاطي مع الواقع اللبناني لا يتم بالتصريحات التصادمية، فالمسألة بالنسبة إليه ليست في نزع سلاح حزب الله غدًا، بل في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمقاومة عبر مؤسسات جامعة، وبرنامج وطني يحدّد وظائف السلاح ومصيره في إطار الدولة.

غير ان النقطة الأكثر إثارة في كلام سلام تمثلت في اعترافه العلني “بالدور الحاسم للمقاومة في تحرير الجنوب اللبناني”، وهو اعتراف غير مسبوق منه بهذا المستوى من الوضوح، ما ترجمه سفير دولة عربية
بأنه “تحوّل في اللغة لا في المبدأ”، إذ يسعى سلام إلى نزع فتيل المواجهة مع الحزب في مرحلة دقيقة، خصوصًا مع تصاعد التوترات واحتمالات توسّع الحرب الإسرائيلية نحو لبنان.

ويشير المصدر إلى أن سلام يدرك حجم القوة الواقعية لحزب الله في المعادلة الداخلية، ولذلك فإن إقرارَه بدوره الميداني يشكل “تقديرًا براغماتيًا للواقع لا أكثر”، الهدف منه ضمان بقاء الحكومة فاعلة وسط شبكة توازنات دقيقة.

أوساط سياسية مطلعة رأت ان السراي وجهت رسائل متعددة الاتجاهات في أكثر من اتجاه:

  • إلى الداخل اللبناني: تأكيد احترامه لتاريخ المقاومة، مع الدعوة لاحتكام الجميع إلى مؤسسات الدولة.
  • إلى المجتمع الدولي: تجديد الالتزام بقرارات الأمم المتحدة وخصوصًا القرار 1701، والتشديد على أن لبنان لا يريد حربًا جديدة بل يسعى لحماية حدوده واستقراره.
  • إلى العواصم العربية: تذكير بدور لبنان في حماية الأمن القومي العربي، وبأن حكومة سلام تسعى لإبعاد البلاد عن محاور الصراع دون التنازل عن حقها في الدفاع عن أرضها.

وفقا لذلك، تمكّن الرئيس سلام من صياغة خطاب يوازن بين الواقعية الوطنية والالتزام الدولي، في لحظة حساسة تحاول فيها بيروت أن تتجنّب أن تكون ساحة حرب بالوكالة عن الآخرين.

في الخلاصة، يمكن القول إن نواف سلام لم يغيّر موقفه من حزب الله، بل أعاد ضبط لغته السياسية بما يتناسب مع واقع القوة والتوازن في لبنان.
فهو لم يتراجع عن مبادئه في السيادة والشرعية، لكنه تخلى عن نبرة التصادم لصالح نغمة الحوار والعقلانية، في لحظة يرى فيها كثيرون أن لبنان لا يحتمل المزيد من الانقسام.

بكلام آخر، اختار نواف سلام لحظته بعناية ليقول للجميع إن لبنان لا يمكن أن يُحكم إلا بالتوازن: لا مواجهة مع حزب الله، ولا خضوع له؛ لا تفريط بالسيادة، ولا انتحار سياسي باسمها. إنها براغماتية اللحظة اللبنانية، كما يصفها أحد المقربين من السراي، “براغماتية من يحاول إنقاذ الدولة دون أن يخسر أحد أعمدتها الأساسية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى