
خاص – بيروت بوست
عكس خطاب أمين عام حزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في الذكرى الاولى لاغتيال الشيخ نبيل قاووق، مسؤول الامن الوقائي في الحزب، المرحلة الحساسة للمشهدين اللبناني والإقليمي، عشية قبول حماس “الملتبس”، أقله شكلا، بمبادرة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، في خطاب مركّب، جمع بين التعبئة العقائدية والسياسية، وبين الرسائل الداخلية والخارجية، بهدف تثبيت موقع حزب الله في المعادلة اللبنانية بعد التطورات المذكورة.
١- دلالات الخطاب على المستويين الداخلي والإقليمي
أ- تثبيت موقع الحزب في قلب الدولة: حيث قدم الشيخ قاسم الحزب كجزء من الدولة، وليس بديلاً عنها، في محاولة واضحة للرد على الانتقادات التي ترى أن حزب الله يعطّل مؤسسات الدولة أو يحتكر قرار الحرب والسلم، في سياق تعزيز صورة الحزب كشريك شرعي في الحكم، لا كقوة عسكرية موازية فقط، وهو ما برز في قوله:” الحزب مشارك فاعل في الدولة وله نشاط في البناء والنهضة”، مقاربة تخدم هدفين:
– تحييد الحزب عن اتهامات “تفجير الدولة من الداخل”.
– تأمين غطاء سياسي لأي تصعيد مقبل في الجنوب، عبر ربطه بمفهوم “حماية السيادة”.
ب- توجيه رسالة إلى الجيش اللبناني، مكملة لزيارة رئيس كتلو الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد لليرزة، عند حديثه عن “الفتنة الملعونة” بين الجيش والمقاومة، والتي عبر فيها بوضوح عن قلق ضمني من محاولات داخلية أو خارجية لاحداث شرخ بين الطرفين.
فالحزب يدرك أن أي مواجهة عسكرية أو سياسية مع الجيش ستكون كارثية على “شرعيته الوطنية”، من هنا تشديده على أن العلاقة مع الجيش قائمة على التفاهم والتكامل، في محاولة لاعادة احياء ثلاثية: “جيش – شعب – مقاومة” التي يراها الحزب ضمانة لحماية لبنان من “التغوّل الإسرائيلي”.
ج- إعادة “تحديد” مفهوم السيادة: من زاوية الصراع مع العدو الخارجي لا من زاوية احتكار الدولة للسلاح كما يطالب خصوم الحزب، في حديثه
عن أن “رأس استعادة السيادة هو طرد إسرائيل من لبنان”.
بهذا المعنى، يسعى حزب الله إلى احتكار تعريف الوطنية والسيادة، بحيث تصبح مقاومة إسرائيل المعيار الوحيد للانتماء الوطني، في مقابل اتهام خصومه بـ”التفريط” أو “الارتهان” للغرب.
د- انتقاد الحكومة من موقع الوصاية الوطنية: اذ ان انتقاد الشيخ قاسم للحكومة اللبنانية بأنها “مقصّرة” في ملف السيادة، ليس انتقاداً معارضاً، بقدر ما هو “توجيه فوقي” يكرّس موقع الحزب كـ”حارس للسيادة” و”مرشدا سياسيا” للحكومة، محملا الاخيرة مسؤولية سياسية تُشرعن أدوار الحزب العسكرية من خلال مواقف رسمية لبنانية داعمة.
٢- الرسائل الدولية والاقليمية:
اما الرسائل الدولية والاقليمية، فيمكن تلخيصها، بالتالي:
أ- رسالة إلى الولايات المتحدة: حيثربطالشيخ قاسم بشكل مباشر بين “الضغط الأميركي” و”الإجرام الإسرائيلي”، في إطار سردية توحّد الجبهة الأميركية – الإسرائيلية، مؤكدا أن لبنان لن يرضخ لهذا المحور، وأن الضغوط السياسية لن تكون لها نتائج ميدانية.
ب- رسالة إلى إسرائيل: في اشارته الضمنية إلى فشل الحسابات الإسرائيلية الخاطئة، بعد مرور ستين يوماً من الاتفاق، في رهانها على إنهاك الحزب أو على تراجع حلفائه بعد التطورات في غزة، مصرا على ان “الردع” لا زال ساري المفعول رغم الضربات والاغتيالات.
٣- البُعد السياسي الداخلي: فيما خص البعد السياسي الداخلي يمكن التوقف عند توجهه “للقوى السيادية”، بالتحديد المطالبة بنزع سلاح الحزب،
من خلال ربط السيادة بملف الاحتلال الإسرائيلي، اي عمليا نقل النقاش من الداخل إلى الخارج، وتحويلها من مسألة “السلاح” إلى مسألة “العدوان”.
اما النقطة الثانية، ففي توجيهه انتقادا مضمرا، للجهات التي تريد تعديل النظام أو إعادة صياغة التوازنات الطائفية،في قوله “الطائف ليس وجهة نظر”، مؤكداً تمسّك الحزب بمكتسبات اتفاق الطائف لأنها تضمن له موقعاً وازناً داخل المعادلة الحالية، في توقيت حساس على خلفية معركة الصلاحيات التي فجرتها “ازمة الوشة”.
في الاستنتاج العام للخطاب، يمكن تلخيصه كالتالي:
– تأكيده على استمرار معادلة المقاومة رغم الضغوط العسكرية والسياسية.
– التماهي مع الدولة لتفادي العزلة الداخلية.
– تحذيره من أي فتنة داخلية خصوصاً مع الجيش.
– تحميله الحكومة مسؤولية التقصير في ملف السيادة بهدف تحويل النقاش الداخلي من سلاح الحزب إلى “العدوان الإسرائيلي”.
– تثبيته الخطاب العقائدي المقاوم كدرع تعبوي في مواجهة مرحلة ضبابية قد تتجه نحو تصعيد عسكري أكبر في الجنوب.