نزاعات وصراعاتإقليميدولي

تقدير موقف | ما بعد قبول حماس بمبادرة ترامب

خاص – بيروت بوست

في تطور غير مسبوق في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، أعلنت حركة حماس قبولها مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة، في خطوة تُعدّ تحولاً سياسياً واستراتيجياً بالغ الأهمية، يحمل في طيّاته رسائل متعددة الاتجاهات تتجاوز حدود القطاع إلى المنطقة بأسرها.

فقبول الحركة، التي طالما وضعت واشنطن في خانة “الانحياز المطلق لإسرائيل”، بمبادرة تحمل توقيع ترامب، يُعد بمثابة كسر لقواعد الاشتباك السياسية التي حكمت العلاقة بين حماس والإدارة الأميركية لعقود، كما يعكس إدراكاً عميقاً بأن موازين القوى العسكرية والميدانية باتت تميل نحو ضرورة الانتقال من منطق المقاومة إلى منطق التسويات المرحلية.

تطور يأتي في ظل تآكل البيئة الميدانية في غزة، وتفاقم الكلفة الإنسانية والاقتصادية للحرب، وتراجع قدرة الحركة على المناورة الميدانية والسياسية بعد شهور من القتال المكثف، مقابل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لإيجاد مخرج يوقف النزيف ويمنع انفجاراً إنسانياً شاملاً.

يضاف الى كل ما سبق أن قبول حماس، لا يمكن فصله عن التحولات الإقليمية الجارية، حيث تسعى بعض الدول العربية إلى استعادة دورها في الملف الفلسطيني بعد غياب طويل، فيما تحاول أطراف أخرى توظيف اللحظة لفرض توازنات جديدة بين محوري “المقاومة” و”الاعتدال”.

على الضفة المقابلة، تجد إسرائيل نفسها أمام لحظة سياسية حرجة: فالموافقة على المبادرة قد تُفهم كتنازل ضمني أمام حماس، فيما الرفض سيضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي ومع حليفتها واشنطن، وبين الخيارين، تتشكل ملامح مرحلة جديدة في الصراع عنوانها إعادة تعريف المنتصر والخاسر، لا وفق نتائج الميدان، بل وفق من ينجح في اقتناص ثمار المبادرة سياسياً.

بهذا المعنى، يشكل قبول حماس بمبادرة ترامب بداية منعطف استراتيجي، لا مجرد محطة تفاوضية عابرة، إذ يفتح الباب أمام إعادة رسم المشهد الفلسطيني والإقليمي على أسس جديدة، يكون فيها ميزان القوة الحقيقي لمن يمتلك القدرة على تحويل الهدنة إلى تسوية دائمة، والسلاح إلى نفوذ سياسي مشروع.

عليه واضح أننا أمام مجموعة من التداعيات والسيناريوهات الحساسة إقليمياً ودولياً، التي ستتحكم بمسار الامور لما بعد هذا التطور، ابرزها:

١- التحول السياسي داخل حماس:

قبول الحركة بمبادرة أميركية، ولو كانت بوساطة غير مباشرة، يعني انتقالها من موقع الرفض العقائدي لأي مبادرة أميركية إلى موقع البراغماتية السياسية، نتيجة:
أ- الانهاك الذي أصابها، ميدانيًا وتنظيميًا، نتيجة الحرب المستمرة منذ قرابة السنتين، واستنزاف القدرات العسكرية والاقتصادية في غزة.
ب- إدراكها بأن استمرار الحرب لم يعد يخدم المصلحة الفلسطينية بعد تبدد الحاضنة الشعبية وانهيار البنى التحتية.
ج- محاولة للتموضع كطرف سياسي لا كتنظيم مقاومة فقط، تمهيدًا لدور تفاوضي أو سياسي لاحق في أي تسوية فلسطينية داخلية أو إقليمية.

٢- الانعكاسات الإسرائيلية:

من جهة إسرائيل، قبول حماس يضع نتانياهو وحكومته، أمام اختبار نوايا حقيقي، بين ضغط داخلي لرفض أي وقف إطلاق نار قبل تحقيق “الانتصار الكامل”، وضغط أميركي ودولي لقبول المبادرة وإنهاء النزيف العسكري والاقتصادي.
فإذا رفض، ستُحمّله العواصم الغربية مسؤولية إفشال المبادرة، وإذا قبل، فسيُعتبر ذلك اعترافًا ضمنيًا بشرعية حماس كطرف تفاوضي، وهو ما قد يثير أزمة سياسية داخلية في إسرائيل.

٣- الانعكاسات الإقليمية:

إقليمياً، المبادرة الأميركية المقبولة من حماس ستفتح باب إعادة رسم التحالفات، وفقا للتالي:

أ- مصر وقطر ستسعيان لاستعادة موقع الوساطة وضمان دور في أي اتفاق نهائي.
ب- إيران قد تشعر بتراجع نفوذها في غزة مع تحييد الجناح العسكري لحماس تحت مظلة تفاهمات دولية.
ج- السعودية والإمارات قد تنظران إلى هذه اللحظة كفرصة لدفع مسار تطبيع مشروط مع إسرائيل بعد وقف الحرب.

٤- البعد الأميركي:

بالنسبة لواشنطن، يعد قبول حماس إنجازًا سياسيًا لترامب (حتى لو كان رمزياً)، إذ يكرّسه كصاحب “مبادرة سلام” أعادت فتح قناة تفاوض بعد جمود طويل. لكنّ، في المقابلةتدرك واشنطن أن أي نجاح للمبادرة يحتاج إلى:

أ- ضمانات أمنية لإسرائيل.
ب-إدارة دولية لإعمار غزة بإشراف عربي – أميركي مشترك.
ج- إطار سياسي فلسطيني موحد يمنع تكرار الانقسام بين غزة ورام الله.

٥- المشهد الفلسطيني الداخلي:

قبول حركة المقاومة الاسلامية بالمبادرة، سيضغط على السلطة الفلسطينية للانخراط في تسوية جديدة، وهو ما قد يؤدي الى أمر من اثنين، اما: إعادة إطلاق حوار المصالحة الفلسطينية الداخلية،
أو العكس، إلى صراع جديد على الشرعية، في حال اعتبرت رام الله أن حماس تجاوزتها سياسياً.

عليه ما هي السيناريوهات المحتملة؟

حتى الساعة يمكن الحديث عن ثلاث سيناريوهات واضحة:

١- نجاح المبادرة: يؤدي إلى وقف شامل للنار، بدء مسار سياسي، وانطلاق خطة إعمار دولية بإشراف عربي – أميركي.

٢- فشل المبادرة بسبب الموقف الإسرائيلي: عندها ستحاول حماس استثمار القبول لإحراج تل أبيب سياسياً وتحميلها مسؤولية استمرار الحرب.

٣- تجميد مؤقت للعمليات العسكرية دون حل سياسي، ما يجعل غزة في حالة “هدنة هشّة” بانتظار اتفاق نهائي، وهو الامر الاقرب الى الواقع.

في الخلاصة، لا يمكن اعتبار قبول حماس بمبادرة ترامب،  كنهاية للحرب، بل بداية لمرحلة جديدة من الصراع السياسي على مستقبل غزة والدور الفلسطيني، حيث الطرف الذي سيتمكن من ترجمة هذا التحول إلى مكسب ميداني وسياسي، سواء واشنطن أو تل أبيب أو محور المقاومة، سيكون من يحدد وجه الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى