إسرائيل تكسر الخطوط الحمراء

خاص – بيروت بوست
في سياق إقليمي معقّد، ومشهد سياسي وأمني تتداخل فيه خطوط الحرب والتفاوض، جاء الاستهداف الإسرائيلي لقيادات حركة حماس المقيمة في الدوحة، بعد اقل من اسبوعين على كشف تل ابيب قرارها بتصفية قادة الحركة في الخارج، ليفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع تتجاوز حدود غزة وجنوب لبنان، وتمتد إلى العواصم التي كانت تُعتبر حتى الامس خارج ساحة المواجهة المباشرة.
تطورات، عكست تحوّلاً نوعياً في الاستراتيجية الإسرائيلية، وتوجهاً نحو سياسة “ملاحقة القيادة” في المنفى، كجزء من مسعى أوسع لإعادة بناء الردع بعد إخفاقات الحرب الأخيرة، وسلسلة الضربات المؤلمة التي وجهتها كتائب القسام وفصائل المقاومة في غزة والضفة، وليس آخرها عمليات الاثنين.
فاختيار الدوحة تحديداً، والتي لعبت دوراً مركزياً في الوساطات، حمل في طياته رسائل مزدوجة: تحذير لقيادة حماس بأن “لا أحد في مأمن”، من جهة، وضغطا على الدوحة للحد من دعمها السياسي والمالي للحركة، أو الاصح إعادة ضبط دورها الإقليمي بما يتلاءم مع شروط المرحلة المقبلة، من جهة أخرى.
مؤشرات لا يمكن قراءتها فقط في بعدها الأمني، بل لا بد من وضعها في سياق أوسع يشمل علاقات إسرائيل مع واشنطن، والتوازنات الخليجية، ومآلات التهدئة في المنطقة، ومسار التطبيع المتعثر مع السعودية، اذ إنّ توجيه البوصلة نحو الدوحة قد يشير إلى انسداد في الأفق السياسي، والذهاب نحو خيارات أكثر تصعيداً، في الوقت الذي تسعى فيه أطراف دولية وإقليمية إلى تثبيت معادلة استقرار هشّة.
من هنا، يصبح من الضروري التوقف عند الدلالات السياسية، وتداعياتها الاستراتيجية، وخلفياتها المرتبطة بإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، لاسيما مع تصاعد الحديث عن “صراع المحاور” ومرحلة ما بعد غزة، خصوصا ان الدوحة ووفقا لمصادر دبلوماسية غربية تشهد محادثات “تحت الطاولة” بين الاطراف المعنية بالملف اللبناني والسوري، من داخلية وخارجية.
الدلالات الاستراتيجية
بداية، واضح ان تنفيذ هذه العملية في العاصمة القطرية، التي تُعتبر حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة ، تشكل تصعيداً خطيراً له تداعياته السياسية والأمنية الكبيرة، ودلالاته الاستراتيجية العميقة، التي يمكن تلخيص ابرزها، وفقا لمصادر سياسية، بالتالي:
-تغيير قواعد الاشتباك: اذ ستُشكل هذه العملية خرقاً واضحاً للسيادة القطرية، وهو ما يُعتبر تصعيداً غير مسبوق، ذلك ان استهداف قيادات حماس في قطاع غزة، أو حتى في لبنان وسوريا، يندرج ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ سنوات، لكن نقل هذه العمليات إلى دولة أخرى، خصوصاً قطر، يُمثل تجاوزاً لهذه القواعد.
– توجيه رسالة ردع قوية: تهدف إسرائيل من خلال هذا العمل إلى إرسال رسالة واضحة لحماس بأنها لا تُعتبر آمنة في أي مكان، وأنها لن تتهاون في ملاحقة قياداتها أينما كانوا، ما قد يكون له اثره في تقويض معنويات الحركة وقدرتها على القيادة.
– إفشال جهود الوساطة، فما حصل سيُقوّض بشكل جذري جهود الوساطة التي تقودها قطر، والتي تعتبر قناة الاتصال الرئيسية مع حماس، فهي الوسيط الأبرز في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وأي هجوم على أراضيها سيُعتبر إهانة مباشرة لها، مما قد يدفعها إلى التوقف عن هذا الدور.
تداعيات “يوم الحساب”
وعليه ترى المصادر، ان الهجوم ستكون له تداعياته الخطيرة على المستويين الاقليمي والدولي، مهما قيل عن اتفاق او غض طرف اميركي – قطري، ومهما كانت نتيجة الضربة لجهة عدد ومستوى القيادات التي قتلت او اصيبت، وفي مقدمتها:
-تدهور العلاقات بشكل كبير بين إسرائيل وقطر، وربما قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، حيث رات الخارجية القطرية في الهجوم “اعتداءً على سيادتها الوطنية وكرامتها، وهو ما لا يمكن أن تقبله”.
-تعقيد الوضع في غزة، اذ ان الضحية الاولى ستكون انهيار جهود الوساطة القطرية وبالتالي اطالة أمد الحرب وزيادة معاناة المدنيين.
-تأثير على التحالفات الإقليمية، على المدى الطويل، مع اثارة المخاوف لدى بعض الدول العربية من إمكانية تنفيذ عمليات مشابهة على أراضيها، مما قد يدفعها إلى إعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل.
-انتقادات دولية: ستُوجه انتقادات دولية واسعة لإسرائيل بسبب انتهاكها للسيادة القطرية وقوانين الحرب، ما قد يُؤدي إلى زيادة عزلتها الدولية ومطالبة المزيد من الدول بفرض عقوبات عليها.