وليد البخاري …. دعم من بعيد

خاص – بيروت بوست
يبدو أنّ السفير السعودي في لبنان وليد البخاري يتّبع في هذه المرحلة ما يمكن وصفه بسياسة “الصمت المدروس” حيال الملف الانتخابي النيابي، في وقت تعيش فيه الساحة اللبنانية حالة غليان سياسي وسباق مبكر على مقاعد البرلمان المقبل.
فالرجل الذي راكم خبرة طويلة في إدارة العلاقات اللبنانية ـ السعودية، يدرك حساسية اللحظة ودقّة الموازين بين مختلف القوى، لذلك يحرص في لقاءاته المكثّفة مع المرجعيات الدينية والسياسية، ولا سيما ضمن الطائفة السنية، على الاكتفاء بإرسال رسائل هادئة ومضبوطة الإيقاع، تؤكد أن المملكة تنظر إلى الاستحقاق النيابي بوصفه شأناً لبنانياً صرفاً، وأنّها تفضّل النأي بنفسها عن أيّ تأويل أو اصطفاف قد يُحسب عليها في لعبة التوازنات الداخلية.
هذا الحرص السعودي، الذي يعبّر عنه البخاري بدبلوماسية لافتة، يُقرأ على أكثر من مستوى. فمن جهة، هو استمرار للنهج الذي اعتمدته الرياض منذ مرحلة ما بعد 2017، والقائم على دعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية دون الانخراط في تفاصيل المشهد السياسي المتشظي.
من جهة أخرى، يعكس وعياً بأنّ أيّ تدخل مباشر في الحسابات الانتخابية قد يُستخدم ضدّ المملكة أو يُفسَّر كعودة إلى “الوصاية السياسية” على بعض الأطراف السنية، وهو ما تسعى الرياض إلى تجاوزه في سياق مقاربتها الجديدة للملف اللبناني، القائمة على “الدعم من بعيد” لا على “الإدارة من الداخل”.
ويُجمع مراقبون على أنّ الدبلوماسية الهادئة التي يعتمدها السفير البخاري تحمل بين سطورها إشارات واضحة: فالسعودية تراقب، وتسمع، وتجمع المعطيات، لكنها لا تستعجل الدخول في تفاصيل المعركة الانتخابية قبل أن تتضح معالم المرحلة المقبلة، سواء على صعيد التسوية الإقليمية أو شكل التوازنات الجديدة في بيروت.
ومع أنّها تكرّر موقفها المبدئي بعدم التدخل، إلا أنّ حضورها المعنوي والسياسي يبقى حاضراً بقوة في خلفية المشهد، خصوصاً في الأوساط السنية التي لا تزال تنظر إلى الرياض بوصفها المرجعية التاريخية والرافعة الإقليمية الأهم.
بهذا المعنى، لا يمكن فصل تحرّك البخاري عن سياق أوسع من إعادة ترميم العلاقات اللبنانية ـ السعودية، ومحاولة إعادة صياغة الدور السعودي في لبنان على أسس جديدة: أكثر هدوءاً، وأقل انفعالاً، وأشدّ ارتباطاً بالنتائج لا بالشعارات.
فبينما تتعدد القراءات حول نوايا المملكة المقبلة، يبقى الثابت أنّ دبلوماسيتها في بيروت تمضي على إيقاع متزن، يحافظ على المسافة من الجميع، ويترك الأبواب مفتوحة أمام الجميع أيضاً.



