خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

هل تفتح تل أبيب الباب أمام زيارة البابا الى بيروت أم تغلقه؟

خاص – بيروت بوست

في لحظةٍ إقليمية شديدة التعقيد، تتقاطع فيها السياسة مع الرمزية الدينية على أرضٍ هشّة كالورق اللبناني، يبرز الحديث عن زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى لبنان كحدثٍ يتجاوز الأبعاد الروحية البحتة ليغدو ملفاً سياسياً بامتياز.

فالزيارة، المقرّر أن تحمل رسالة دعمٍ للبنان المنهك اقتصادياً وسياسياً، تحوّلت في الكواليس إلى محور مراقبة دقيقة من جانب تل أبيب التي لا تنظر إلى أي تحرّك فاتيكاني في الشرق الأوسط بمعزل عن حساباتها الأمنية والاستراتيجية.

فاسرائيل، التي تُدرك حساسية أي ظهورٍ بابوي في محيطها المباشر، تقرأ في زيارة الحبر الأعظم إلى بيروت احتمالاً مزدوجاً: من جهة، فرصة لتأكيد “صورة التسامح والاستقرار النسبي” في المنطقة، ومن جهة أخرى، تهديداً محتملاً لتوازن الرسائل السياسية في لحظةٍ إقليمية يغلب عليها الاشتباك لا الحوار.

فزيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية إلى بلدٍ يشكّل نموذجاً للتعددية الدينية، في ظل توتر دائم على حدوده الجنوبية، تُثير في الأوساط الأمنية الإسرائيلية أسئلة دقيقة حول الدوافع والتوقيت والنتائج.

مصادر دبلوماسية غربية في تل أبيب لا تُخفي أن المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل تتعاملان مع الملف من زاويتين متوازيتين:

  • الاولى، أمنية بحتة تتعلق بالتحضيرات الميدانية ومسارات الطيران وتأمين الأجواء اللبنانية المحاذية للحدود.
  • الثانية، سياسية تتصل بما يمكن أن يحمله الخطاب البابوي من رسائلٍ إنسانية أو نقدٍ مبطّن للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين واللبنانيين.

وفيما يتحدث مقربون من دوائر القرار في تل أبيب عن “عدم وجود نية رسمية لعرقلة الزيارة”، تتقاطع المعلومات حول وجود تيارين داخل الحكومة الإسرائيلية: أحدهما يدعو إلى التعامل الإيجابي مع الزيارة لعدم فتح جبهة دبلوماسية جديدة مع الفاتيكان، وآخر أكثر تشدداً يعتبر أن الظروف الإقليمية لا تحتمل حدثاً بهذا الحجم قد يُستغل لإحياء خطابٍ سياسي ضد إسرائيل على الأرض اللبنانية.

بهذا المعنى، تتعامل تل أبيب مع الزيارة المرتقبة ببراغماتية دقيقة: لا رفضٌ علني، ولا ترحيبٌ حارّ، بل مراقبة محسوبة لتفاصيل التحضيرات، وسط قناعة إسرائيلية بأن أي حدثٍ ذي رمزية دينية في لبنان لا يمكن فصله عن معادلات الصراع المفتوح بين محور المقاومة من جهة، والتحالف الأميركي – الإسرائيلي من جهة أخرى.

عليه، يمكن القول إن تل أبيب لن تُغلق الأبواب في وجه البابا، لكنها ستتأكد أن النوافذ مفتوحة فقط بالقدر الذي يسمح لها برؤية ما يجري من بعيد، دون أن تسمح بنسمةٍ قد تزعج أمنها أو صورتها الدولية.

فزيارة البابا إلى لبنان بالنسبة لإسرائيل ليست مناسبة دينية، بل اختبار توازن دقيق بين الأمن والدبلوماسية. ومتى اختلط الدين بالسياسة في الشرق الأوسط، يصبح حتى صوت الأجراس خاضعاً للرقابة العسكرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى