
ميشال نصر
على وقع عالم تتغير ملامحه، من انتخابات الاتحاد الاوروبي، ومفعول الدومينو الذي خلفته، على صعيد اكثر من دولة، مرورا بالانتخابات الايرانية، التي رأت فيها واشنطن مؤشرا سلبيا لا يشجع على التفاوض، وصولا الى الانتخابات الاميركية، وما قد يتخللها من مفاجآت حتى تشرين الثاني، يعيش العالم حالة من الترقب والغليان، وسط التوقعات باستمرار نزيف الازمات المتفجرة حول العالم، وفي الشرق الاوسط، انتظارا للتسويات التي يحكى عن انها قد تتأخر حتى الربيع المقبل.
فمع استئناف الحركة السياسية، عادت الحرارة على خط الاتصالات الرئاسية بين الداخل والخارج، بعدما قدمت قوى المعارضة خريطة طريقها لانهاء الشغور وانتخاب رئيس للجمهورية، فسارع الفريق الآخر الى رفضها، بحجة ان لا جديد فيها، بل محاولة لاخذ الامور الى حيث تريد وتعطيل دور المجلس التشريعي.
وبعيد اجتماع سفراء الخماسية في قصر الصنوبر،عقد لقاء بين اللجنة المصغرة لقوى المعارضة النيابية مع اعضاء الخماسية حيث سلّموهم نسخة عن خريطة الطريق الرئاسية التي اطلقوها من مجلس النواب،على ان تلتقي اللجنة على مدى اليومين المقبلين الكتل النيابية كافّةً للبدء بمشاورات جديّة تؤدّي إلى انتخاب الرئيس.
مصادر المجتمعين اشارت الى انه جرى بحث مفصل لبنود «الخريطة»، حيث كان ثمة توافق في الاراء، حول اكثر من نقطة، كاشفة ان وفد المعارضة طالب بممارسة المزيد من الضغط الدولي على الاطراف المعنية في الداخل والخارج، لتسهيل انجاز الاستحقاق.
تصعيد ميداني
هذا الاستعصاء السياسي الرئاسي، واكبه تصعيد ميداني عسكري عابر للحدود. ففي حين استمر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في عملية الهروب الى الامام، مختلقا الحجج وواضعا الشروط، في طريق أي تسوية، لاسباب باتت معروفة داخليا وخارجيا، تشير المعطيات الى اتجاه تل ابيب نحو مزيد من التصعيد، تحت عنوان بدء تطبيق المرحلة الثالثة في قطاع غزة، والتي ترجح الاوساط الدبلوماسية، ان يتم الاعلان عنها رسميا، عشية سفر نتانياهو الى الولايات المتحدة الاميركية لالقاء كلمته امام الكونغرس.
في المقابل، بات واضحا ان «اسرائيل» تتجه الى الفصل بين جبهتي غزة ولبنان، وفقا لتصريحات اكثر من مسؤول فيها، بعدما باتت عاجزة عن تحمل ضغط مستوطنيها النازحين من الشمال، حيث نجح حزب الله في فرض منطقة عازلة بعمق خمسة كيلومترات جنوب الخط الازرق على طول الحدود.
وبينما كانت عمليات الاستهداف الاسرائيلي لقادة ومقاتلي حزب الله مستمرة، ومنها عمليات في الداخل السوري،وعلى وقع العمليات العسكرية جنوبا، وبعد ساعات من القصف المركز لمحطات الانذار في جبل الشيخ، نشر الاعلام الحربي جزءا جديدا من عمليات «الهدهد»، تضمنت مشاهد استطلاع جوي لقواعد استخبارات ومقرات قيادية ومعسكرات اسرائيلية في الجولان المحتل، بعدما شملت جولة الهدهد الاولى حيفا ومحيطها.
تفاهم عين التينة
وفي وقت يبدو فيه ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قد استسلم للمعارضة، مقرا بان لا دعوة لحوار بمن حضر، باعتبار انهسيكون غير ذي جدوى، في ظل امساك المعارضين بورقة «الثلث المعطل النيابية»، تسلك الاتصالات بين عين التينة وميرنا الشالوحي منحاها الايجابي، محرزة تقدما سريعا، قد يدفع باتجاه تغيير في المعادلات السياسية.
ووفقا لاوساط مواكبة للاجواء بين الاخضر والبرتقالي، فقد تم التوصل الى سلة من التفاهمات بين الطرفين، في اطار صفقة متوازنة على قاعدة 2/2، اذ حصل رئيس التيار الوطني الحر على مكسبين: الحفاظ على حصته المسيحية الحالية في الادارة العامة، والافراج عن ملف التعيينات، مقابل، تأمين الغطاء المسيحي لمجلس الوزراء والنواب، من خلال مشاركة وزراء ونواب تكتل لبنان القوي في جلسات الحكومة وتشريع الضرورة، كذلك تغيير البياضة موقفها في ما خص الحرب على غزة، حيث نجحت عين التينة في وساطتها بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك، وهو ما ظهر في لهجة باسيل خلال اطلالاته الاخيرة.
ورأت الاوساط ان الصفقة التي انجزت، اتت نتيجة اقرار الطرفين المعنيين باستحالة انجاز الانتخابات الرئاسية حاليا، في ظل التوازنات الداخلية خصوصا في مجلس النواب، من جهة، وفي ضوء الاوضاع الدولية والاقليمية الضبابية، ما يعني ان الفراغ قد يستمر لسنتين اخريين على الاقل، ما يوجب ايجاد صيغة انتقالية لتلك الفترة، تعيد المسيحيين الى السلطة، بعدما كان بحث هذا الملف الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين في بيروت اكثر من مرة، ونتيجة الحاح الفاتيكان على عدم جواز تخطي الرأي المسيحي في هذه المرحلة.
واعتبرت الاوساط ان نتائج زيارة امين سر دولة الفاتيكان والمباحثات التي اجراها في بيروت بدأت تظهر سريعا، في ظل البحث عن السبل الفضلى لادارة الملف اللبناني في زمن الفراغ ومحاولات حصره قدر الامكان ووقف تمدده في جسم الدولة.
منصوري في واشنطن
وليس بعيدا، عشية الحديث عن قرب موعد ادراج لبنان في «اللائحة الرمادية، من قبل «فايننشل تاسك فورس»، باشر حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري سلسلة اتصالات ومباحثات مع عدد من المسؤولين في العاصمة الاميركية، من وزارة الخارجية الى وزارة الخزانة، مرورا باعضاء في «شبكة انفاذ الجرائم المالية»، والتي زار اكثر من وفد منها لبنان، بعيدا عن الاعلام بهدف جمع المعلومات حول بعض الشبكات وعمليات التمويل المشبوهة.
مصادر مواكبة للزيارة رأت ان هدف الحاكم الاول، في حال عدم تمكنه من وقف ادراج لبنان على اللائحة، المحافظة على آلية تعاون مع المصارف المراسلة، وعدم تأثرها بما قد يطرأ، لما لذلك من آثار كارثية على المستوى الوطني وتأثير سلبي في الحياة اليومية للبنانيين، مركزا على تبرئة المصرف المركزي، والمصارف اللبنانية، التي اتخذت كل الاجراءات المطلوبة منها، شارحا الخطة التي اعتمدها في «هندسته المالية»، راميا الكرة في ملعب الدولة، مشددا على ان كل الاموال التي تدخل عبر النظام المصرفي اللبناني معروفة المصدر.
وختمت المصادر، بان الكرة اليوم في ملعب السلطة اللبنانية حكومة ومجلسا نيابيا، لاتخاذ الخطوات اللازمة واقرار القوانين المطلوبة، خصوصا على صعيد ملف تبييض الاموال، بمفهومه الواسع، لتدارك وضع لبنان على اللائحة السوداء، مع ما قد يستتبع ذلك من اجراءات.