غير مصنف

“منتدى الاستثمار السعودي – السوري” …. معادلات جديدة من الاقتصاد إلى السياسة؟

خاص – بيروت بوست

في مشهد يعكس تحولات إقليمية متسارعة، شكّل منتدى الاستثمار السعودي – السوري محطة بارزة على طريق إعادة تطبيع العلاقات بين الرياض ودمشق، بعد سنوات من القطيعة السياسية والتباعد الاستراتيجي. المنتدى، الذي جمع مسؤولين ورجال أعمال من البلدين، لم يكن مجرد مناسبة اقتصادية، بل حمل في طياته دلالات سياسية عميقة تتجاوز لغة الأرقام والمشاريع، ليكرّس توجهًا سعوديًا واضحًا نحو الانخراط التدريجي في الملف السوري، من بوابة الاقتصاد هذه المرّة. 

فبينما تعاني سوريا من أزمات مركّبة على المستويين المالي والإعماري، تسعى السعودية إلى توظيف أدواتها الاقتصادية كجزء من سياسة “الاحتواء الاستثماري”، بما يتقاطع مع مصالح إقليمية ودولية أوسع، وخصوصًا في ظل تعقيدات الملف السوري وتشابكاته الأمنية. بهذا المعنى، يتحوّل المنتدى إلى ورقة ضغط أو جس نبض لخيارات النظام السوري في ما بعد الحرب، ويرسم خطوطًا أولية لخارطة النفوذ الاقتصادي القادمة.

علامة فارقة

فقد مثل منتدى الاستثمار السعودي السوري، الذي اختُتم مؤخرًا في دمشق، علامة فارقة في مسار العلاقات المتجددة بين البلدين، بعد سنوات من القطيعة. هذا المنتدى، الذي شهد توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 24 مليار ريال سعودي (6.4 مليار دولار)، يعكس تحولاً استراتيجيًا في السياسة السعودية تجاه سوريا، ويحمل في طياته فرصًا وتحديات اقتصادية وسياسية.

أهداف المنتدى
الهدف الأساسي للمنتدى هو تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، والمساهمة في إعادة إعمار سوريا التي دمرتها الحرب. وقد أعلن وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، أن المنتدى شهد توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم في قطاعات حيوية، تشمل:

– البنية التحتية والعقارات: استثمارات بقيمة تزيد عن 11 مليار ريال سعودي (2.93 مليار دولار) في هذا القطاع، بما في ذلك إطلاق ثلاثة مصانع إسمنت جديدة، ومشروع عقاري بقيمة 100 مليون دولار في دمشق.

– الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: اتفاقيات بقيمة 4 مليارات ريال سعودي (1.07 مليار دولار).
– الطاقة والصناعة والزراعة والسياحة والخدمات المالية: استثمارات متنوعة تهدف إلى تحفيز الاقتصاد السوري.

كما تم الإعلان عن تشكيل مجلس أعمال سعودي سوري مشترك رفيع المستوى برئاسة رجل الأعمال محمد أبونيان، بهدف تعزيز الشراكة بين القطاع الخاص في البلدين. ويتوقع الجانب السوري أن توفر هذه الاتفاقيات 50 ألف فرصة عمل في مختلف أنحاء سوريا.

الفرص والتحديات

الفرص:
– إعادة الإعمار: تمثل سوريا سوقًا ضخمًا لإعادة الإعمار، وتتمتع السعودية بالقدرة المالية والخبرة اللازمة للمساهمة في هذا الجهد. هذا يوفر فرصًا استثمارية كبيرة للشركات السعودية في قطاعات البناء والبنية التحتية.

– تنوع الاستثمارات: تهدف الاستثمارات إلى تنويع الاقتصاد السوري، وتقليل اعتماده على قطاعات معينة، وتعزيز قدرته على تحقيق النمو المستدام.

– تعزيز الاستقرار الإقليمي: تساهم الاستثمارات الاقتصادية في تعزيز الاستقرار في سوريا، وهو ما يخدم المصالح الأمنية والاقتصادية للمنطقة بأكملها، بما في ذلك السعودية.

-تحسين العلاقات الدبلوماسية: يمثل المنتدى خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الرياض ودمشق، وفتح قنوات للتعاون في ملفات أخرى.

– مبادرة سعودية لدعم سوريا: تؤكد السعودية على دعمها لسوريا في مسيرتها نحو الازدهار والتنمية المستدامة، وهي رسالة سياسية مهمة تشجع أطرافًا إقليمية ودولية أخرى على الانخراط.

التحديات:

-العقوبات الدولية: لا تزال سوريا تخضع لعقوبات دولية صارمة، خاصة العقوبات الأمريكية بموجب “قانون قيصر”، مما قد يعرقل تدفق الاستثمارات ويجعل الشركات السعودية حذرة من التعرض لعقوبات ثانوية. ورغم رفع بعض هذه العقوبات مؤخراً إلا أن تأثيرها ما زال قائماً.

-البيئة الاستثمارية في سوريا: تتسم البيئة الاستثمارية في سوريا بالعديد من التحديات، بما في ذلك البيروقراطية، والفساد، وعدم الاستقرار السياسي والأمني في بعض المناطق، و ضعف البنية التحتية المتضررة.

– النفوذ الإيراني: لا يزال النفوذ الإيراني في سوريا عاملاً معقداً، وقد يؤثر على قدرة السعودية على تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية على المدى الطويل.

– مصداقية الحكومة السورية: يواجه النظام السوري تحديات في بناء الثقة مع المجتمع الدولي والمستثمرين، خاصة فيما يتعلق بالشفافية والمساءلة.

– مخاطر تحويل الأموال: هناك قلق من إمكانية تحويل بعض الأموال المستثمرة لدعم جماعات أو أنشطة لا تخدم الأهداف المعلنة لإعادة الإعمار.

التوقعات المستقبلية
من المرجح أن يشكل منتدى الاستثمار السعودي السوري بداية لمرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة سيعتمد على عدة عوامل:
-مدى جدية الحكومة السورية في توفير بيئة استثمارية آمنة وشفافة.
-تطور الموقف الدولي من سوريا، وخاصة مسألة العقوبات.
-قدرة السعودية على تحقيق توازن بين أهدافها الاقتصادية والسياسية في سوريا، مع الأخذ في الاعتبار التعقيدات الإقليمية.

بشكل عام، يمكن اعتبار المنتدى محاولة سعودية لترسيخ دورها كلاعب إقليمي رئيسي يسعى للاستقرار والتنمية، بينما تفتح سوريا أبوابها أمام الاستثمارات العربية في محاولة لإنعاش اقتصادها المنهك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى