خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

معادلة ال “ت-ت” في تعامل حارة حريك مع الرياض

خاص – بيروت بوست

في ظل تصاعد التحولات الجيوسياسية في الإقليم، وتزايد الضغط الدولي على ساحات الاشتباك الساخنة، برزت دعوة لافتة من الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، إلى المملكة العربية السعودية، لفتح “صفحة جديدة مع المقاومة”، بشرط أن يكون الحوار قائماً على اعتبار أن “إسرائيل هي العدو، لا المقاومة”.

الدعوة التي أتت في مناسبة حزبية داخلية، حملت دلالات استراتيجية تتجاوز السياق اللبناني، وتمتد إلى صلب إعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط، تحديدا بعد أيام من الضربة الإسرائيلية المثيرة للجدل على الأراضي القطرية، وما حملته من رسائل قاسية تجاه حلفاء طهران، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة التحركات الأميركية السياسية والعسكرية في لبنان وسوريا.

وسط هذا المناخ، تظهر دعوة قاسم كمحاولة لاعتراض مسار تصعيدي يجري بناؤه على مستويات متعددة، ومحاولة لفتح نافذة تواصل مع لاعب إقليمي مركزي بحجم السعودية، حيث تكمن أهميمتها الاستراتيجية في توقيتها ومضمونها، فهي تمثل خروجًا عن خطاب المواجهة المباشر مع دول الخليج الذي ساد لسنوات، من جهة، وتكشف عن سعي حزب الله إلى إعادة تموضع سياسي ضمن مناخ المصالحات الإقليمية التي ترعاها قوى كبرى، من جهة ثانية، عاكسة إدراكاً عميقاً لدى حارة حريك بأن ميزان القوى الإقليمي والدولي يدخل مرحلة جديدة قد تكون أقل تسامحاً مع منطق الدول المتصدعة كلبنان.

من هنا، تبدو هذه الدعوة أكثر من مجرد خطاب رمزي، بل تعبيراً عن محاولة لفتح خط خلفي أو علني مع الرياض، ربما بهدف احتواء الضغط، أو التمهيد لتسويات أوسع ترتبط بملف سلاح المقاومة وموقع لبنان في المعادلة الإقليمية المقبلة.

امام هذا الواقع، تتجه الانظار الى الرياض وردة فعلها، وكيفية تعاملها مع “الواقع الجديد”،  حيث يمكن رسم أربع سيناريوهات محتملة للرد السعودي، ضمن إطار الحسابات السياسية والاستراتيجية للمملكة في هذه المرحلة الحساسة، على ما يرى المحللون، ابرزها:

– السيناريو الأول: تجاهل رسمي ومواصلة المقاطعة السياسية، وهو الاكثر ترجيحا، في ظل استمرار اعتبار حزب الله كمنظمة تهدد الأمن العربي وتخدم المشروع الإيراني، وهو ما يعني عمليا تجميد أي انفتاح، وإبقاء الملف اللبناني بيد الحلفاء المحليين والإقليميين، مع تصعيد الضغوط على حزب الله داخلياً وخارجيا.

– السيناريو الثاني: الرد عبر قنوات غير مباشرة، وهو أمر وارد، بهدف اختبار نوايا حزب الله دون تقديم تنازلات علنية، ولتفادي الإحراج السياسي، حيث يمكن أن تلعب أطراف لبنانية أو إقليمية دور الوسيط لنقل رسائل مشروطة، كتأمين توازن سياسي في لبنان مقابل خفض التوتر الإعلامي أو الأمني.

– السيناريو الثالث: الرد المشروط بانخراط إيراني، وهو امر مستبعد، اذ ان الربط بين أي تقارب مع حزب الله وبين تقدم المفاوضات أو التفاهمات الكبرى مع طهران، سبق ورفضته الرياض سابقا،
ربما لرغبتها في ابقاء هذا الملف معلقا لحين حصول تفاهم سعودي – إيراني أكثر عمقاً، تتوضح فيه أدوار حلفاء طهران وحدود نفوذها في المنطقة.

– السيناريو الرابع: انفتاح محسوب ضمن صفقة لبنانية، وهو احتمال شبه معدوم، الا في حال رأت امملكة أن حزب الله مستعد لتقديم تنازلات فعلية في ملف السلاح أو التوازنات الداخلية، عندها قد تذهب الرياض إلى قبول شراكة مشروطة ضمن إطار وطني شامل، لا انفتاح ثنائي مع الحزب كقوة منفردة.

مصدر دبلوماسي عربي، كشف ان السعودية قرأت خطاب الحزب “التصالحي”، على انه خطوة تكتيكية وليست تحوّلاً استراتيجياً، وبالتالي، فإن رد المملكة المرجّح سيكون مزيجاً من الحذر، التريث، وربما اختبار النوايا عبر الحلفاء، بانتظار اتضاح اتجاهات التوازن الإقليمي، خاصة في لبنان وسوريا واليمن.

واكد المصدر ان معادلة “تكتيك – تقية” (ت-ت)، لن تمر بسهولة، في ظل الضغوط الاميركية الممارسة على كل الاطراف، بما فيها الرياض، عشية الواجهة الاميركية الثانية الصامتة في الامم المتحدة، والتي ستترك تداعياتها حتما، على الكثير من الملفات وفي مقدمتها لبنان.

وأشار المصدر الى ان موعد زيارة الموفد الملكي الامير يزيد بن فرحان الى بيروت، حتمت توقيته مغادرة رئيس الجمهورية الى نيويورك، جازما بان لا ارتباط بين خطاب امين حزب الله، والرحلة الاميركية، المحددة الهدف، باعادة تاكيد الموقف السعودي والاميركي، من الملفات المطروحة، وفي مقدمتها مؤتمرات الدعم والمساعدة.

في الخلاصة تعد دعوة أمين عام حزب الله، خطوة استباقية تهدف لخلق هامش تفاوض جديد وسط تصعيد إقليمي متسارع، قد يبقى تجاوب المملكة معها مرهوناً بمعادلات معقدة، تبدأ من طهران وتنتهي في الجنوب اللبناني.

يبقى الاهم، فإن الدعوة تعكس إدراك حزب الله لحجم التحديات المقبلة، وسعيه لتوسيع مظلة “الشرعية السياسية” خارج حلفائه التقليديين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى