
خاص – بيروت بوست
في قلب المعادلة الأمنية والسياسية اللبنانية، تبرز العلاقة بين الجيش اللبناني وحزب الله كواحدة من أكثر العلاقات حساسية وتركيباً، نظراً لتداخل الأدوار بين مؤسسة دستورية يُفترض أن تحتكر القوة الشرعية، وتنظيم مقاوم يتمتع بشرعية سياسية وشعبية وامنية وعسكرية، في ظل ضغوط دولية وإقليمية معقدة.
فعلى امتداد العقدين الماضيين، تحرك هذا التوازن ضمن سياق استراتيجي بالغ التعقيد، حيث تُرسم خطوط التعاون والتباعد تحت سقف “الاستقرار الوطني” من جهة، وتحت ضغط التحولات الإقليمية من جهة أخرى. ففي وقت تسعى فيه الدولة إلى تكريس سلطتها على مجمل أراضيها، يبقى التعايش القائم بين الجيش وحزب الله نقطة ارتكاز في أي نقاش حول مستقبل السيادة، والسلاح، والدور اللبناني في منظومة الأمن الإقليمي، استناداً إلى “العقيدة الوطنية” للجيش.
تبين القراءة الواقعية أنه رغم التباين الكبير في المرجعيات والوظائف، لم يحصل أي صدام مباشر بين الجيش اللبناني وحزب الله منذ سنوات طويلة، بل جرى اعتماد نوع من “التنسيق الميداني غير المعلن” في عدة ملفات، من حرب 2006 وما بعدها، مروراً بالمواجهة مع الجماعات الإرهابية عام 2017، وصولاً إلى حرب أيلول 2024. تنسيق، من دون إعلان رسمي، سمح بتوحيد الجهود، وشكّل في توقيته مؤشراً على نوع من “تفاهم الضرورة” بين الطرفين، يقوم على التعاون في وجه التهديدات المشتركة مع المحافظة على الحد الأدنى من الاستقلالية.
غير أن ذلك لا ينفي حقيقة أن الجيش اللبناني، الذي يتلقى دعماً مباشراً من واشنطن ودول أوروبية، تشترط في أحيان كثيرة “ضمانات” بعدم استخدام هذا الدعم في ظل استمرار سلاح حزب الله خارج سلطة الدولة، وضعت قيادته أمام معادلة دقيقة: الاستفادة من المساعدات وتطوير القدرات، من دون الانخراط في مواجهات داخلية مع الحزب. فالعسكر، وإن كانوا ملتزمين بالدستور وقرارات السلطة السياسية، إلا أنهم واعون لحساسية الواقع الطائفي، ولتوازنات القوى على الأرض، حيث لا يمكن إلغاء حزب الله عسكرياً أو سياسياً.
في العمق، وفقاً لمصادر واكبت العلاقة التاريخية مع القيادة الحالية للجيش، فإن حارة حريك مرتاحة لوضع الملف في عهدة اليرزة، رغم رفضها لمسألة تحديد المهل، انطلاقاً من مجموعة اعتبارات، أبرزها ثقتها وعلاقتها الممتازة بالعماد رودولف هيكل وقيادته، ومدير مخابراته العميد طوني قهوجي، والتي بُنيت على مدى السنوات الماضية.
وتكشف المصادر أن العلاقة التي توطدت مع تسلم هيكل قيادة قطاع جنوب الليطاني، تحولت إلى “شراكة” مع تسلمه مديرية العمليات في الجيش، حيث كان التنسيق بينه وبين مسؤولي الحزب على أعلى الدرجات، وفقاً للعارفين، مشيرين إلى أكثر من محطة برز فيها هذا التعاون، تحديداً خلال الحرب الأخيرة، فضلاً عن “المواجهات” التي خاضها هيكل أكثر من مرة مع ضباط أميركيين وغربيين، في معرض دفاعه عن الحزب، ورفض تقييد حركته، وهو ما توجه في “أمري اليوم” الصادر عنه بمناسبة عيد المقاومة والتحرير وعيد الجيش.
وتتابع المصادر بأن الأمر نفسه ينطبق على مدير المخابرات وفريقه، الذين وقفوا في وجه أكثر من محاولة للتضييق على الحزب، وأحبطوا محاولات كثيرة لتطويقه و”لي ذراعه” عبر “مشاريع دعم” مشبوهة، ما ساهم في تعزيز هذه العلاقة، والتي بلغت حدود ترشيح قهوجي لقيادة اليرزة.
وتقول المصادر إن “العميد رودولف هيكل” كان أحد أبرز المرشحين لتولي قيادة الجيش، والمدعومين من حزب الله نظراً لسجله وتاريخه، وهو ما يدفع بحارة حريك إلى أن تكون مرتاحة، وواثقة من فشل كل المحاولات لخلق صدام بين حزب الله والجيش اللبناني، والذي يعتبر خطاً أحمر بالنسبة للطرفين، خصوصاً أن التنسيق والتعاون قائم بين الطرفين، حول أدق التفاصيل، ولم ينقطع للحظة.
عليه، وفي ضوء التحديات الإقليمية المتسارعة والتطورات الداخلية الدقيقة، تبقى العلاقة بين الجيش وحزب الله أحد المفاتيح الأساسية لفهم التوازن اللبناني الهش. فبين واقعية أمنية تفرض تنسيقاً ميدانياً ضمن خطوط حمراء غير مكتوبة، وطموحات دولية تسعى لحصر السلاح بيد الدولة، تبرز الحاجة إلى إعادة صياغة العلاقة على أسس وطنية جامعة، تضمن تعزيز دور الجيش كمؤسسة سيادية مستقلة، وتحفظ في الوقت نفسه الاستقرار الداخلي في وجه أي اهتزاز.
فالمعادلة القائمة حالياً، لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، والخيارات الاستراتيجية المقبلة للبنان سترتبط حتماً بكيفية مقاربة هذا الملف المعقد، على قاعدة الحوار، لا الصدام، والاستيعاب، لا الإلغاء، خصوصاً بعدما رمت الحكومة كرة النار في ملعب اليرزة.
لكل ذلك وحتى إشعار آخر حزب الله …. مرتاح ….