
خاص – بيروت بوست
لم تكن سنة 2025 في لبنان مجرّد محطة عابرة في روزنامة وطن أنهكته الأزمات، بل جاءت كمرآة مكبّرة لكل ما تراكم خلال سنوات الانهيار. اثنا عشر شهراً بدوا كأنهم اختبار مفتوح للأعصاب، ولقدرة بلد صغير على البقاء واقفاً بين زلازل السياسة والاقتصاد والإقليم. لم تسقط الدولة نهائياً، لكنها لم تُبنَ من جديد. ولم ينهَر المجتمع بالكامل، لكنه دفع ثمناً إضافياً من أعصابه وأحلامه.
سياسياً، عاشت البلاد على إيقاع الانتظار. استحقاقات دستورية تُدار بمنطق التأجيل، وتسويات تُطبخ على نار خارجية أكثر مما تُصاغ بإرادة داخلية، وعهد منشغل بإدارة الوقت لا إدارة الدولة، فيما الخلافات القديمة أعيد تدويرها بشعارات جديدة. لا قرارات كبرى، ولا إصلاحات جذرية، بل حدّ أدنى من التفاهمات يمنع الانفجار ويؤجّل المواجهة مع الواقع.
اقتصادياً، كانت 2025 سنة التوازن الهش. هدأت الليرة نسبياً، لا نتيجة خطة إنقاذ واضحة، بل بفعل إجراءات موضعية ومسكنات نقدية ودعم خارجي غير معلن، فيما بقيت المصارف عقدة العقد: ودائع عالقة، ثقة مفقودة، وخطط إعادة هيكلة تتقدّم خطوة وتتراجع خطوتين. وحده المواطن اللبناني تعلّم أكثر كيف يعيش بلا ضمانات، يكيّف استهلاكه، ويؤجّل أحلامه، ويحوّل “تمشاية الحال” إلى نمط حياة دائم.
على المستوى الاجتماعي، كان التعب العنوان الأبرز. الهجرة استمرّت بوتيرة أقل ضجيجاً لكنها أكثر عمقاً، خصوصاً بين الشباب وأصحاب الكفاءات. المدارس والجامعات صمدت بجهد استثنائي، والمستشفيات واصلت العمل عند حافة الانهيار، فيما توسّعت الفجوة بين من يملك قدرة الصمود ومن يعيش على المساعدات أو التحويلات. ورغم ذلك، أظهر المجتمع اللبناني قدرة لافتة على التكيّف، كأن الصدمة الطويلة حوّلته إلى كائن يتقن العيش تحت الضغط.
أمنياً، رقصت السنة على خيط رفيع. الجنوب ظلّ تحت التهديد، والحدود بقيت مرآة للاشتباك الإقليمي، فيما لبنان الرسمي حاول تثبيت معادلة “النأي بالنفس الممكن”. لم تندلع حرب شاملة، لكن شبحها كان حاضراً في كل لحظة. نجا البلد لأن الجميع قرّر تأجيل الانفجار، لا لأن أسبابه انتهت أو لأن المخاطر تراجعت.
أما في العمق، فكانت 2025 سنة الأسئلة الكبرى بلا أجوبة. أي دولة يريد اللبنانيون؟ وأي اقتصاد يمكن بناؤه؟ وهل الصمود وحده يكفي؟
سنة أثبتت أن لبنان لا يزال قادراً على النجاة، لكن النجاة وحدها لم تعد كافية. فهي سنة البقاء بلا أفق، والانتظار بلا ضمانات، والأمل الذي يرفض أن يموت… لكنه لم يجد بعد طريقه إلى الخلاص.





