
خاص – بيروت بوست
تُظهر أحدث الإحصاءات الدولية أنّ لبنان حلّ في المرتبة الأولى عربياً والسابعة عالمياً من حيث اعتماد مواطنيه على التعاملات النقدية (الكاش)، بنسبة تقارب 90% من العمليات اليومية، ما يعكس عمق الانهيار المالي وفقدان الثقة الشامل بالنظام المصرفي.
فبينما تتجه معظم الاقتصادات نحو التحوّل الرقمي والمدفوعات الإلكترونية، يعود لبنان إلى الوراء، ليصبح مجتمعاً نقدياً بامتياز، حيث الورقة النقدية هي الوسيلة الوحيدة المتبقية للتعامل اليومي.
هذا الواقع هو نتاج سنوات من القيود المصرفية غير المسبوقة، واحتجاز الودائع، وتراجع الشفافية في عمل البنوك، ما دفع اللبنانيين إلى سحب أموالهم وتخزينها في المنازل أو التداول بها نقداً بعيداً عن أعين الدولة. وبذلك، تحوّل اقتصاد الكاش إلى آلية دفاع اجتماعية بقدر ما هو تعبير عن انهيار الثقة.
لكن التداعيات خطيرة: فسيطرة النقد على الدورة الاقتصادية تعني زيادة التهرّب الضريبي، وصعوبة تتبّع حركة الأموال، وتنامي عمليات تبييض الأموال، إضافة إلى عرقلة أي إصلاح مالي أو تعاون مع المؤسسات الدولية كصندوق النقد. كما أن غياب الرقمنة في المعاملات يحدّ من إمكانات النمو ويعمّق عزلة لبنان عن الاقتصاد العالمي الحديث.
في المحصلة، لا يمكن لأي خطة تعافٍ أن تنجح ما لم تُستعد الثقة بالمصارف ويُعاد دمج الأموال المتداولة نقداً ضمن المنظومة المالية الشرعية، لأن اقتصاد الكاش اليوم هو مرآة لأزمة الثقة اللبنانية بكل أبعادها.





