
خاص – بيروت بوست
بدا خطاب رئيس جمعية المصارف سليم صفير، رغم طوله وثرائه اللغوي، أقرب إلى محاولة منظمة لتبرئة القطاع المصرفي من أي دور في الانهيار اللبناني، أكثر منه مقاربة مسؤولة أو نقداً ذاتياً منتظراً بعد خمس سنوات من أكبر أزمة مالية في تاريخ البلاد.
فالرسائل التي حملها الخطاب عكست إنكاراً متواصلاً لأي مسؤولية للمصارف، وتجاهلاً صريحاً للوقائع الاقتصادية التي يعرفها كل مواطن لبناني وكل خبير مالي: المصارف كانت ركيزة أساسية في تمويل الدولة بشكل مفرط، واستفادت من الفوائد الخيالية والهندسات المالية، وشجعت عبر سياساتها الجشعة على نموذج اقتصادي هشّ قائم على الاستدانة والاستهلاك، لا على الإنتاج.
– أولاً: خطاب بلا اعتراف… وبلا مصارحة:
لم يقدّم صفير أي اعتذار أو حتى اعتراف جزئي بمسؤولية القطاع عن سوء إدارة المخاطر. بل على العكس، أصرّ على اعتماد لهجة دفاعية تُحمِّل الدولة كامل الانهيار، وكأن المصارف كانت مجرد متفرّج. هذا الطرح يتجاهل حقيقة أن المصارف لم تكن “ضحية” للنظام، بل شريكاً في بنائه واستثماره حتى اللحظة الأخيرة قبل الانفجار.
– ثانياً: التركيز على الإعمار… قبل حلّ أزمة الودائع:
بدلاً من أن يبدأ صفير بمقاربة جوهر الأزمة وهو مصير الودائع وآلية استعادتها، قفز مباشرة نحو الحديث عن الإعمار وتمويل المستقبل. بدا وكأنه يريد تجاوز المرحلة الأكثر إيلاماً بالنسبة للمودعين عبر الانتقال مباشرة إلى مرحلة “لبنان الجديد”، دون أي التزام واضح بإعادة الحقوق أو تحمل الخسائر.
– ثالثاً: تحميل الناس والشارع مسؤولية “حملات ظالمة”:
وصفه الانتقادات الموجّهة للقطاع بأنها “حملات ظالمة وممنهجة” يعكس قصر نظر وتجاهل مدى الانهيار الذي سببه حجز الودائع، وانهيار الليرة، وخسارة الناس لمدّخراتهم. فبدلاً من تفهّم غضب الشارع، فضّل صفير اعتماد خطاب الضحية.
– رابعاً: محاولة واضحة لاستعادة النفوذ:
حين اشتكى من أن دور المصارف في التشريعات “استشاري أكثر منه شراكة”، بدا واضحاً أن هدفه هو إعادة فرض نفوذ المصارف على القرارات المالية للدولة، وكأن شيئاً لم يتغيّر منذ 2019. هذه المقاربة تُظهر أن القطاع لم يستوعب بعد حجم الغضب الشعبي ولا حجم الانهيار الفعلي الذي تسبب به جزء من سياساته.
– خامساً: خطاب مليء بالشعارات… فارغ من الأرقام:
رغم كثرة الكلام عن إعادة الهيكلة، لم يقدم صفير رقماً واحداً أو مقترحاً عملياً لحلّ الأزمة المالية. تجاهل الفجوة المالية، تجاهل الخسائر، وتجنب الحديث عن كيفية تقسيمها، ما جعل الخطاب أقرب إلى بيان علاقات عامة منه إلى موقف اقتصادي مسؤول.
خطاب سليم صفير لم يكن خطوة نحو المصارحة أو الإصلاح، بل محاولة لإعادة تلميع صورة قطاع فقد الثقة، من دون أي استعداد جدّي لتحمّل المسؤولية أو تقديم حلول واقعية.
ففي بلد فقد فيه الناس مدّخراتهم، تبدو تصريحات كهذه أكثر استفزازاً من كونها بداية حقيقية للتعافي.





