
يصلك على هاتفك push notification :” وفاة زياد الرحباني”. تتمنى أن يكون الخبر fake. تسأل، فيأتيك الجواب: الخبر صحيح . لا تريد أن تُصدِّق، وتقول بينك وبين نفسِك: ” معقول”؟ نعم ” معقول” … مات زياد الرحباني… مات الذي لا تستطيعُ أن تجدَ له صفة، فاسمُه أكبر من كل الصفات:
عبقري ، رهيب ، نابغة … كلها صفات لا تعود شيئًا إذا ما اقترنت باسمِه، يكفي أن تقولَ “زياد” لتختزِلَ كلَ الصفات.
عن أي زياد نكتب؟ عن إبن عاصي وفيروز؟ عن عبقري السخرية؟ عن نصوص المسرح التي لا يضاهيه فيها أحد؟ عن البرامج الإذاعية التي لا تشبه أحدًا ؟ عن الملتزم بيساريتِه التي اقتنع بها وكان صلبًا في النقاش دفاعا عنها؟ زياد، إذا تكلَّم يتكلمُ فنًا، وإذا كتبَ يكتب بنبوغ.
ما هذا الزياد الكامل الأوصاف؟
في “نزل السرور” توقَّع الحربَ اللبنانية التي اندلعت عام 1975.
وفي “فيلم اميركي طويل” رسمَ مسرحيًا يومياتِ الحرب ولاسيما بدءًا من العام 1983.
وفي ” شي فاشل” يجسِّد معاناة المسرحيين في إنتاج أي عملٍ مسرحي.
أقوالـُه تتحوَّل إلى أقوال مأثورة يحفظُها الناس ويرددونها.
يحفظ الناس من “نزل السرور”: “بلدنا بدو كف تا يوعا”. ويحفظون من “فيلم أميركي طويل”: ” قوم فوت نام وصير حلام أنو بلدنا صارت بلد”
ومن “شي فاشل”: “الاميركين وصلوا عالقمر وأنتو عم تفتشو مين لحَّن الدلعونا”.
حتى أسماءَ مسرحياته كانت مسرحيات بحد ذاتها :” شي فاشل” ” فيلم اميركي طويل” . وحتى برامجَه الإذاعية كبرنامج ” العقل زينة”.
لن نقول ” زياد لا يموت” فهذه كلمة مبتذلة لا تفي بالواقع.
زياد لا يموت إذا أصبح في مناهجنا المدرسية وفي تربيتنا العائلية كناقد وثائر ولا يكتفي بما يقدَّم له، بل يَنقدُه وينقضُه. هل أعظمَ من إنسان يكون والده العبقري عاصي ووالدته الأيقونة فيروز، ويتمرَّد ويختارُ خطًا ثالثَا وينجح حتى التفوق؟ ما هذا القدَر؟ غنت فيروز لزياد ، في غيبوبة عاصي عام 1973: ” بيعز عليي غني يا حبيبي لأول مرة ما منكون سوا”
كأن زياد الذي أعطى فيروز لحنَ هذه الأغنية، من كلمات منصور، لتغنيها لعاصي، لم يكن يدرِك بعد نصف قرن، أن الأغنيةَ تنطبق عليه، وأنه لو قًدِّر لفيروز أن تغنيَها فستغنيها له: “لأول مرة ما منكون سوا”
زياد … ضيعانك.