رسالة ترامب …. عقد سلام أم استسلام؟
ميشال نصر
قبل أربع سنوات، انتظر لبنانيون كثر رحيل دونالد ترامب عن البيت الأبيض، “بلكي بتفرج”، فإذا بمن حزن يومها يفرح في الـ 2024 “بلكي بتنحل”، رغم أن بين “الفرج والحل”، حدودًا رسمها دونالد ترامب بنفسه في رسالته الموقعة والموجهة للبنانيين، والتي استخدم فيها لغة مباشرة وواضحة، شرحتها طلات فريقه، بالأخص اللبنانيين فيه.
وفيما أنظار العالم متجهة إلى النهج السياسي الذي سيتبعه ترامب، وخصوصًا ما يتصل بأوضاع الشرق الأوسط، والحرب بين إسرائيل وحماس وحزب الله، سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى تهنئة “صديقه” معتبرًا نفسه شريكًا أساسيًّا في الانتصار، الذي قاد الرئيس 47 إلى البيت الأبيض بتسونامي أحمر كاسح، رئاسة ومجلسًا، ليكتب التاريخ من جديد، كما أكد في خطاب الفوز.
ورغم أن الولاية تبدأ دستوريًّا في النصف الثاني من كانون الثاني المقبل، إلا أن العهد الترامبي بدأ والعالم بات يتصرف على هذا الأساس، من طهران، التي لم تنس بعد أنه من ألغى اتفاقها النووي، ومن اتخذ شخصيًّا قرار تصفية قائد فيلق قدسها، لضرب تمددها ووقفه في المنطقة، إلى حزب الله الذي أطل أمينه العام، مهدّدًا متوعدًا، غير مهتم بمن انتخب رئيسًا أميركيًّا، رغم اعتباره في كلمته الأسبوع الفائت أن الانتخابات الأميركية مفصلية، مرورًا بإسرائيل، التي فهمت كلام ترامب عن إنهاء الحرب، دعوة لإتمام المهمة قبل العشرين من كانون الثاني، ما يعني مزيدًا من المعارك العسكرية والاستهدافات الأمنية.
فعملية خلط الأوراق في المنطقة، مع ما ينتظرها من معطيات ومؤشرات، شكلت الرسالة التي وجهها ترامب للبنانيين وذيلها بتوقيعه، أحد محاورها، رغم أن ثمة في فريقه من يعتبر أن على اللبنانيين “أن يروقوا” فنجاحه لم يكن بأصوات أقربائهم الأميركيين، رغم تأكيدهم أن الرئيس الجمهوري وإدارته عازمون على تطبيق ما تعهد به، على أن ثمة أكثر من وجهة نظر داخل الفريق الرئاسي حول آلية ذلك، ترى مصادر الحملة أنه من المفيد “تشريح” أبرز نقاطها، بعيدًا عن الطابع الوجداني الذي تقصد أن يغلفها به:
1- حديثه عن “سلام حقيقي كي لا تكون هناك حروب كل خمس أو عشر سنوات”، وهذا يعني أن وقف إطلاق النار اليوم لن يكون إلا من ضمن تسوية طويلة الأمد، لا كما كان يحصل سابقًا، وذلك يحمل الكثير من الدلالات والمعاني، وهو يأتي في إطارِ الاستراتيجية العامة التي تحدث عنها.
2- تركيزه على “الشراكة المتساوية بين كل الفئات اللبنانية”، وهذا يعني بوضوح أن المطلوب تحويل حزب الله إلى حزب سياسي يشارك في الحياة السياسية اللبنانية، كغيره من الأحزاب، مع ما يفرضه ذلك من سحب لسلاحه، أو حل جناحه العسكري، في ظل التمييز القائم عمليًّا بين جناحيه السياسي والعسكري، مع الإشارة إلى أنه سبق في فترات سابقة أن قام وزراء محسوبون على الحزب بزيارة الولايات المتحدة (مثلاً طراد حمادة).
3- اعتباره أنه يتعين أن” يعيش اللبنانيون بسلام وازدهار وانسجام مع جيرانهم”، وقد تكون من أخطر ما ورد في الرسالة، إذ من بين ما يمكن أن تعنيه الدعوة إلى نوع من أشكال السلام والتطبيع مع إسرائيل، أي ضم لبنان إلى الاتفاقات الابراهيمية.
4- تأكيده على أن “واشنطن ستضمن سلامة وأمن الشعب اللبناني”، أي أن لبنان سيكون “محمية” أميركية، من ضمن ما يحكى عنه من “سايكس – بيكو” جديد يكون لبنان فيه من حصة واشنطن لا شريك لها فيه، مع ما يعنيه ذلك من إخراج للنفوذ الإيراني بشكل كامل منه.
إزاء ما تقدم ماذا سيكون عليه موقف حزب الله؟ وهل عدنا إلى دوامة التفسيرات المختلفة، والمطالبة بتطبيق التعهدات والقرارات وفقًا للصيغ اللبنانية؟ وهل تنجح هذه السياسة مع الإدارة التي طالما اتهمت أنها أشعلت ثورة 17 تشرين 2019 بهدف ضرب حزب الله وتحجيمه؟ وعليه هل يتوقف نهر الدم؟ وعلى أي أساس؟ وهل لدى اللبنانيين الثقة بتنفيذ الوعد؟
أسئلة قد تحتاج إلى وقت لمعرفة إجاباتها، رغم أن مسار الأحداث خلال الساعات الماضية، والمعطيات المتوافرة لا تبشر بأن الأمور ذاهبة نحو الانفراج، رغم أنه تبعًا لمسؤولي حملته فإن “الكتاب” سيتم الوفاء به… ولكن بأي ثمن؟