
في ظلّ انقسام داخلي حاد وأزمة سياسية مفتوحة، أطلّ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من ال “فوروم دو بيروت”، بخطاب لم يكن مجرد مهرجان حزبي، بل محاولة مدروسة لإعادة رسم هوية التيار في مرحلة حساسة من تاريخ لبنان السياسي، حيث تتشابك التحديات الاقتصادية مع الصراعات الإقليمية، وتتقاطع الحسابات الانتخابية مع مساعي التسوية الداخلية والخارجية، معيدا إحياء النقاش حول موقع تياره ودوره في المرحلة المقبلة. .
فموقع الخطاب الزمني، في ظل الجدل حول العلاقة بين اطراف “الترويكا” ومعارك الصلاحيات، التي تلعب على حافة ازمة النظام، ومع انطلاق معركة الانتخابات النيابية لعام 2026، جعله، بمثابة إعلان تموضع جديد، يحاول من خلاله إعادة ربط التيار الوطني الحرّ بجذوره السيادية والإصلاحية، مع الحفاظ على خيوط التواصل مع حلفائه السابقين في محور المقاومة.
ففي مشهد سياسي لبناني بالغ التعقيد، حيث تتقاطع الأزمات الداخلية مع التحوّلات الإقليمية الكبرى، تقصد جبران باسيل تحويل مناسبة 13 تشرين الاول، الى محطة مفصلية في مسار اعادة التموضع، راسما ملامح المرحلة المقبلة عشية الانتخابات النيابية المقرّرة عام 2026، معبرا عن محاولة دقيقة لإعادة تعريف موقع التيار بين المحاور المتنازعة في لبنان، مقدما نفسه كصوت “الاعتدال السيادي”، الساعي إلى استعادة المبادرة المسيحية من جهة، وإعادة التوازن في العلاقة مع الثنائي الشيعي من جهة أخرى، دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة أو قطيعة نهائية.
مصادر سياسية مخضرمة، متابعة لمسيرة “صهر الرابية”، رأت ان خطابه، يعكس بوضوح إدراكه لمحدودية الخيارات السياسية أمامه، إذ لم يعد قادراً على التماهي الكامل مع محور الممانعة بعد تبدّل المزاج المسيحي العام، ولا الالتحاق “بالمعارضة السيادية” التي تقودها القوات اللبنانية والكتائب، خشية خسارة الغطاء السياسي الذي وفره له تحالفه السابق مع حزب الله، من هنا، اتّسمت لغته بمزيج من المرونة والتمايز، محاولاً الجمع بين خطاب الدولة والإصلاح والسيادة من جهة، ومبدأ الشراكة والحفاظ على الاستقرار من جهة أخرى.
واشارت المصادر الى ان خطاب “الفوروم” حمل في العمق، رسائل متعدّدة الاتجاهات، ابرزها:
– إلى الداخل المسيحي، بأنه لا يزال زعيم التيار الأقوى القادر على حماية التوازن والتمثيل.
– إلى حزب الله، بأنه قابل للعودة الى التحالف ولكنّه يرفض أن يُختزل به، فهو يدرك أنّ أي قطيعة نهائية مع حارة حريك، قد تضعف موقعه الوطني.
– إلى المجتمع الدولي، بأنه شريك إصلاحي منفتح على التعاون بشرط احترام السيادة.
– إلى الناخب اللبناني، بأنه “صوت الدولة” التي تحاول النهوض من رماد الانهيار.
هذه التركيبة الدقيقة من الرسائل السياسية ستشكل محو نقاش واسع بين المؤيدين والخصوم، طارحة أسئلة حول حقيقة التبدّل في خطاب باسيل، عما اذا كان تحوّل استراتيجي نحو التوازن والسيادة، أم مجرد مناورة انتخابية هدفها إعادة التموضع عشية الاستحقاق النيابي، على ما تقول المصادر، خصوصا ان الاجابة على تلك التساؤلات، ستشكل، مؤشراً على إعادة رسم التوازنات السياسية داخل الساحة المسيحية واللبنانية عموماً، كاشفة خطوط الصراع الجديدة بين القوى التقليدية في مرحلة ما بعد الانهيار الاقتصادي والتسويات الإقليمية المتسارعة.
وختمت المصادر ان كلام باسيل ترك تداعيات “ثقيلة” على المشهد السياسي، المثقل اساسا بالملفات الضاغطة، فهو شكل “ورقة ضغط شعبية”، عشية الانتخابات، طالت الحكومة،لتحسين الأداء، تقديم إصلاحات حقيقية، ومحاولة الاستجابة لمطالب السيادة والعدالة، الثنائي الشيعي، والقوى المسيحية، لتحديد مواقفها بوضوح من السلاح مرورا بالنزوح السوري، رغم الغياب اللافت لملف اللاجئين الفلسطينيين، في ظل المشاريع التي يحكى عنها في المنطقة، الى الانتخابات، حيث بدا واضحا ان باب تحالفه “التكتيكي” مع الحزب، على اساس المصلحة الانتخابية، لا يزال قائما.
في الخلاصة، يمكن القول إنّ خطاب النائب البتروني، في “فوروم دو بيروت 2025” هو محاولة لإعادة تعريف “الذات السياسية” بعد مرحلة من العزلة والتراجع، عاكسا وعياً بتحولات المزاج اللبناني، ورغبة في الانتقال من موقع الشراكة المطلقة مع محور الممانعة إلى موقع الشريك المشروط ضمن معادلة الدولة والسيادة.
وسط ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يمتلك باسيل فعلاً القدرة على ترجمة هذا التمايز إلى مشروع وطني جامع، أم أن خطابه سيبقى مجرّد مناورة انتخابية هدفها تحسين شروط التفاوض والتحالف في انتخابات 2026؟
فبين التمايز والمواجهة، وبين الإصلاح والمصالح، تقف ميرنا الشالوحي، في مرحلة دقيقة من مسيرتها السياسية، محاولة استعادة الزعامة المفقودة والتاسيس لدور جديد في معادلة لبنانية متغيرة، ما يجعل من الخطاب الأخير علامة فارقة في مسار إعادة رسم الخريطة المسيحية واللبنانية في السنوات المقبلة.





