سياسةأمن وقضاءإقليميدوليمختاراتنزاعات وصراعات

جلسة الجمعة في المقياس السياسي والاستراتيجي

في لحظة تُعتبر من الأكثر حساسية في مسار إعادة رسم التوازنات السياسية والأمنية في لبنان، تعقد يوم الجمعة مبدئيا، جلسة لمجلس الوزراء من خارج السياق الروتيني، حيث تمثل نقطة تقاطع بين الضغوط الدولية المتزايدة، لا سيما الأميركية، لفرض ترتيبات أمنية جديدة، وبين واقع داخلي مأزوم سياسياً وطائفياً، وسط انقسام حاد حول مستقبل سلاح حزب الله ودور الجيش في هذه المرحلة.

فعلى المستوى الاستراتيجي، تمثل الجلسة اختبارًا لقدرة الدولة اللبنانية على التفاعل مع المبادرات الدولية، والانضباط ضمن شبكة المصالح الغربية في المنطقة، وتحديداً عبر مشروع التهدئة الحدودية مقابل مكاسب اقتصادية وتنموية، ومنها مشاريع المنطقة الصناعية الحدودية المقترحة، وتسهيل برامج إعادة الإعمار في الجنوب، دون الانزلاق نحو تفجير التوازنات الداخلية أو المسّ بوحدة المؤسسة العسكرية، اذ بين المطالب الغربية بضبط السلاح خارج إطار الدولة، والرفض القاطع من “الثنائي الشيعي” لأي خطوة قد تمهّد لنزع سلاح المقاومة، يجد الجيش نفسه أمام معادلة شبه مستحيلة: تقديم خطة “واقعية” تُرضي الخارج، وتحمي الداخل.

في العمق، تُمثّل خطة الجيش اللبناني استجابة نظرية لمطلب طالما شكّل بندًا ثابتًا في البيانات الوزارية، لكن توقيتها الحالي، ومحاولة ربطها بورقة تفاهم دولية ـ إقليمية غير مُعلنة بالكامل، تضعها في دائرة الشك والتوجس لدى قوى سياسية وازنة، ترى أن الهدف منها ليس فقط تنظيم السلاح، بل استهداف التوازن الداخلي وشرعية “المقاومة” تحت ضغط المعادلات الإسرائيلية ـ الأميركية.

أما سياسيًا، فإن الحكومة تواجه ضغوطًا متشابكة، من جهة، يُنظر إليها كسلطة تنفيذية عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة، ومن جهة أخرى، تُطالب بالقيام بخطوة قد تهدد استقرارها واستمراريتها إذا ما أدت إلى انقسام داخلي أو توتر أمني، في ظل انقسام بين فريق يطالب بتفعيل دور الدولة والجيش و”إنهاء زمن السلاح غير الشرعي”، وفريق يعتبر أن التوقيت مشبوه، وأن أي مقاربة لهذا الملف يجب أن تأتي في سياق تفاهم وطني شامل، لا ضمن أجندات خارجية، دون اغفال القلق من تحميل الجيش مسؤولية تنفيذ خطة قد تفتقر للغطاء السياسي الكامل، ما قد يعرّضه للاهتزاز أو الزجّ به في صراعات داخلية لا تخدم هدف حفظ الأمن.

عليه، لا يمكن النظر إلى جلسة الخامس من أيلول كجلسة ادارية عادية، بل “منصة” لاختبار نوايا الأطراف، وحدود التنازلات، وقدرة المؤسسات على اجتراح توازن بين الضغوط الدولية والاعتبارات الوطنية. فما سيُطرح في تلك الجلسة، وما سيتقرر بشأن خطة الجيش، لن يكون مجرد خطوة تقنية، بل سيُقرأ على أنه إعلان لموقع لبنان في الخريطة الجيوسياسية الجديدة للمنطقة، وشكل تموضعه بين منطق السيادة الداخلية ومعادلات الخارج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى