خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

تقدير موقف | ماذا يريد توم براك؟

خاص – بيروت بوست

تشير كثافة الإطلالات الإعلامية التي يقوم بها توم براك في الأسابيع الأخيرة إلى تحوّل في طريقة عمل الدبلوماسية الأميركية في المنطقة، وخصوصًا في الملفين اللبناني والسوري.

فالرجل الذي عادةً يتحرك بصمت وبقنوات خلفية، اختار فجأة منصة العلن، ما يعكس مجموعة أهداف ورسائل تسعى واشنطن إلى إيصالها في لحظة إقليمية شديدة الحساسية.

1. تمهيد لمقاربة أميركية جديدة في المنطقة:

يتقاطع خطاب براك بوضوح مع الملامح التي بدأت تظهر في استراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2025، فهناك انتقال من مقاربة “إدارة الأزمات” إلى مقاربة إعادة هندسة التوازنات، من هنا تركيزه المتكرر على الربط بين لبنان وسوريا يوحي بإعادة صياغة رؤية أميركية للأمن المشرقي، ليس بالضرورة عبر مشاريع سياسية جاهزة، بل عبر إطار تنسيقي إقليمي جديد.

2. الضغط على الأطراف اللبنانية والسورية عبر الإعلام:

الإطلالات المتواترة تُستخدم كأداة ضغط ناعمة. واشنطن تُدرك أن كلام براك يُتابَع في بيروت ودمشق وطهران وتل أبيب. رسائله ليست إعلامية بل سياسية:
– تحذير من الانزلاق إلى صدام أوسع.
– مطالبة القوى اللبنانية بتسهيل المسارات الدستورية.
– التأكيد أن واشنطن لم تعد في موقع مراقب بل في موقع صانع إيقاع.

3. محاولة إعادة صياغة صورة الولايات المتحدة بعد التوترات الأخيرة:

العلاقة الأميركية ـ اللبنانية شهدت توترات خلال الأشهر الماضية، خصوصًا حول ملف الجنوب وربط المساعدات بالإصلاحات. ظهور براك بهذا الزخم يهدف إلى إعادة الولايات المتحدة إلى موقع “الوسيط الفاعل” لا “القوة الضاغطة”، عبر خطاب أكثر ليونة ظاهريًا، لكنه يحمل مضامين صلبة.

4. اختبار ردود الفعل حول أفكار يجري تحضيرها في الخلفية:

من الواضح أن بعض العبارات التي استخدمها براك،  مثل الحديث عن “حضارة مشتركة” أو “ضرورة جمع لبنان وسوريا ضمن إطار جديد”، ليست زلات لسان بل جسّ نبض لخيارات مطروحة داخل مراكز القرار الأميركية:
– مشاريع اقتصادية مشتركة؟
– ترتيبات أمنية جديدة في الشرق المشرقي؟
– إدارة حدود أكثر تنظيمًا؟ هذه الأفكار تُمرَّر تدريجيًا لقياس رد الفعل الإقليمي والدولي قبل وضعها في مسار تفاوضي رسمي.

5. تحضير بيئة تفاوضية للمرحلة المقبلة

الأسابيع المقبلة مرشّحة لتحولات كبيرة:
– الجنوب اللبناني على خط تماس قابل للاشتعال أو التهدئة.
– الملف السوري يدخل مرحلة إعادة ترتيب بعد تغير التوازنات في الشمال الشرقي.
– سيناريوهات “التسوية الكبرى” أو “الانفجار الكبير” لا تزال مفتوحة. إطلالات براك تأتي لتهيئة الرأي العام والنخب السياسية لمناخ تفاوضي سيُفرض قريباً، خصوصًا مع تزايد الحديث الأميركي – الأوروبي عن “سلة” واحدة للبنان وسوريا والحدود.

في الخلاصة، ليست الإطلالات الإعلامية الكثيفة لتوم براك مجرد نشاط علاقات عامة، بل مؤشر إلى ورشة استراتيجية أميركية ناشئة. الرجل يتحرك لتمهيد الأرض، وقياس ردود الفعل، وإيصال رسائل واضحة إلى الأطراف كافة بأن واشنطن تعود بقوة إلى طاولة رسم خرائط النفوذ في المشرق.
باختصار، براك يفتح نافذة على تحوّل أميركي كبير قيد التشكل، ولبنان وسوريا في قلبه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى