تقدير موقف | ماذا تعني موافقة نتانياهو على خطة ترامب؟

خاص – بيروت بوست
شكّل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موافقته على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة، منعطفاً سياسياً واستراتيجياً بالغ الأهمية في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
فبعد شهور من العمليات العسكرية الواسعة التي خلّفت دماراً هائلاً وخسائر بشرية جسيمة، يبرز هذا التحول بوصفه انتقالاً من منطق “الحسم العسكري” إلى منطق “التسوية الدبلوماسية”، ولو بصورة مشروطة وقابلة للتعثر.
فالخطة الأميركية، التي جاءت في توقيت سياسي حسّاس داخلياً وإقليمياً، تطرح مقاربة جديدة لإدارة الأزمة، إذا ما نُفّذت، لا تعني فقط هدنة عسكرية مؤقتة، بل تحمل في طياتها محاولة لإعادة صياغة معادلة السلطة والسيادة داخل القطاع، وتغيير ديناميات التوازن بين إسرائيل وحركة حماس، وكذلك بين الفاعلين الإقليميين والدوليين.
من جهة إسرائيل، قبول نتنياهو بالخطة يُعدّ خطوة مزدوجة الأبعاد: فهو يوفّر له غطاءً أميركياً قوياً يخفف من الضغوط الدولية المتصاعدة، ويمنحه فرصة لإظهار “إنجاز” أمام الرأي العام عبر استعادة الأسرى. لكن في المقابل، يضعه أمام معضلة داخلية كبرى، إذ يثير رفضاً متوقعاً من قوى اليمين المتشددة التي ترى في أي تسوية مع حماس تنازلاً عن الأمن القومي.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن إدخال قوة دولية أو إدارة انتقالية لغزة يعيد طرح تساؤلات كبرى حول دور مصر وقطر وتركيا، وموقع السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، فضلاً عن ردود فعل إيران وحزب الله الذين ينظرون بعين الريبة لأي ترتيبات يُعتقد أنها تهدف إلى إضعاف محور «المقاومة».
دولياً، يبرز البعد الأميركي بوضوح، حيث سعت واشنطن إلى تقديم الخطة كمبادرة سلام جديدة، واضعة نفسها في موقع الضامن، ما يعني تحمّل مسؤوليات ميدانية وسياسية قد تكون مكلفة.
وعليه، فإن موافقة نتنياهو ليست مجرد تفصيل في مسار حرب غزة، بل هي محطة قد تحدّد مسار المرحلة المقبلة بأكملها: إما فتح نافذة لتهدئة مدعومة دولياً تمهّد لإعادة إعمار غزة وإعادة هيكلة سلطتها، أو الانزلاق مجدداً إلى دوامة تصعيد أكبر إذا فشلت الخطة أو قوبلت بالرفض من حماس أو من داخل إسرائيل نفسها.
فما هي التداعيات السياسية والاستراتيجية، لموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة؟
١- التأثيرات السياسية الداخلية في إسرائيل:
أ- على الحكومة الائتلافية:
دعم نتنياهو يخفف الضغط الدولي ويمنحه غطاءً أميركيًا لوقف مؤقت. لكنه يعرّضه لتمزق داخلي: الأجنحة اليمينية المتشددة في الائتلاف قد ترى الخطة تخلياً عن “تحجيم” كامل لحماس أو تنازلاً في الشؤون الأمنية – السيادية، ما قد يؤدي إلى أزمة ائتلافية أو محاولات لإضعاف حكومته.
(احتمال توترات – استقالات في الائتلاف: مرتفع بين 40 الى 60%).
ب- على الشعب الإسرائيلي:
العودة المحتملة لأسرى ستزيد دعم الشارع لنتنياهو على المدى القصير، لكن أي إحساس بأن التهديد لم ينته أو أن الصفقة جرت بتكلفة أمنية عالية سيؤدي إلى تآكل شعبيته لاحقًا.
ج- الشرعية القانونية والأخلاقية:
قبول خطة دولية لمرحلة انتقالية قد يثير تحديات قانونية داخلية حول سلطة الحكم وإجراءات الجيش، كما ستستغل المعارضة ذلك سياسياً.
٢- الآثار العسكرية والعملياتية
أ- وقف مؤقت محتمل:
إذا قبلت حماس، سيتحقق وقف لإطلاق النار سريعاً وإفراج متدرج عن أسرى مقابل أسرى وانسحاب مرحلي لإسرائيل، ما سيقلل العمليات العسكرية فورياً ويعيد انتشار الجيش الاسرائيلي.
اشارة الى ان الاتفاق مرهون بالتفاصيل الفنية (آليات التحقق، قوة الانتقال الدولية، جداول الإفراج)، وهي نقاط قد تطول أو تتعثر.
في حال رفض حماس: إعلان نتنياهو وترامب قد يوفر غطاءً دولياً لإدامة الضغط العسكري أو لتوسيع العمليات بدعوى “فرض الخطة”، ما يعني مخاطر تصعيد إقليمي (ردود من حزب الله/إيران).
٣- التداعيات الإقليمية والدولية:
أ- الدول العربية: دولاً كانت وسيطة (قطر، مصر) قد تُرحب بوقف إطلاق النار لكن ستتحفّظ على إدارة دولية تقودها شخصيات غربية (قانونية شرعية ودور السلطة الفلسطينية). الضغوط على الدول الخليجية للمساعدة في إقناع حماس ستزداد.
ب- الولايات المتحدة: موقف ترامب يعطي إسرائيل غطاءً سياسياً واسعاً من واشنطن الحالية، لكن يفتح خلافاً مع مؤسسات دولية وأوروبية ويفرض مسؤوليات أميركية.
ج- إيران وحلفاؤها: إذا رأت طهران أن الخطة تُضعف قدرات حماس أو تهدف إلى تفريغ المقاومة، فقد تُعزّز دعمها لفصائل أخرى، ما قد يزيد خطر فتح جبهات متعددة (لبنان، سوريا).
(الاحتمال المتوسط للتصعيد الإقليمي إذا فشلت المفاوضات: مرتفع نسبياً).
٤- السيناريوهات المحتملة(تقديرات تحليلية):
أ- قبول حماس بالخطة وتطبيقها جزئياً:
– النتيجة: وقف طويل نسبيًا، إدخال قوة دولية، إعادة بناء متدرج.
– احتمال حدوثه خلال 30–90 يومًا: 20–30%.
ب- حماس ترفض، إسرائيل تستأنف العمليات مع غطاء أميركي:
– النتيجة: استمرار الحرب، مخاطرة تصعيد إقليمي، تضاؤل الشرعية الدولية لإسرائيل.
– احتمال: 35–45%.
ج- قبول شكلي من بعض الفصائل وحماس تماطل:
– النتيجة: تفاوضات مطوّلة، هدنة متقطعة، إدارة انتقالية مع قدر كبير من التعقيد.
– احتمال: 25–35%.
د- تداعيات سياسية داخلية في إسرائيل:
– النتيجة: تغيير الحكومة
– احتمال متوسط (20–30%) خلال الأشهر القليلة القادمة إذا تصاعد التوتر داخل الائتلاف.
٥- المخاطر الجوهرية التي قد تُفشل الخطة:
– غياب آلية موثوقة للتحقق من نزع سلاح حماس.
– الرفض الشعبي الداخلي في غزة لأي إدارة دولية تُعتبر احتلالاً مقنّعاً.
– انقسام بين لاعبين إقليميين (مصر، قطر، تركيا) حول من يدير المرحلة الانتقالية.
– استخدام أي طرف لبند من بنود الخطة ذريعة للاستمرار في العنف.
في الخلاصة، فان موافقة نتنياهو على خطة ترامب تحوّل المسار من عمل عسكري محض إلى لعبة دبلوماسية دولية مشروطة. فهي فرصة لوقف فوري محتمل ولإخراج غزة من حلقة العنف إذا توفرت آليات نزع السلاح والضمانات الاقتصادية والسياسية.
لكن الخطة محفوفة بمخاطر عملية وسياسية عالية، خاصة لأن نجاحها يعتمد على خصم لم يعلن قبوله حتى الساعة، وعلى قدرة المجتمع الدولي والإقليمي على تنفيذ بندٍ جوهري: كيفية إدارة غزة بعد الحرب.
في المحصلة، نافذة محتملة للتهدئة فتحت، لكنها ليست ضمانة دائمة للسلام، واحتمالات الفشل أو الاستمرار في العنف تبقى كبيرة ما لم تُدرَك التفاصيل بصرامة.