خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

تقدير موقف | ماذا بعد كلام بعبدا عن التفاوض مع اسرائيل؟

خاص – بيروت بوست

فيما يلي تحليل استراتيجي يربط بين توقيت ومضمون تصريح رئيس الجمهورية اللبنانية حول “ضرورة التفاوض مع إسرائيل”، بعد ما أدلى به الرئيس دونالد ترامب من على منبر الكنيست، مؤكدا دعم السلطة في مواجهة حزب الله “المدمر”، والذي فهم في لبنان دعما مطلقا للعهد.

١- المنظور اللبناني: دوافع استراتيجية وقيود عملية:

يواجه لبنان معضلة مزدوجة: من جهة، حاجة وطنية لاستقرار الحدود الجنوبية وتجنب انزلاقٍ جديد يفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية، ومن جهة أخرى، خضوع القرار اللبناني لفاعلين داخليين مسلحين (أولاً حزب الله) وسياسات إقليمية قد تُعرقل أي مبادرة لا تضمن مصالح هذه القوى.

من هنا يندرج إعلان الرئاسة حول التفاوض ضمن محاولة لبنانية رسمية لاعادة استرداد زمام المبادرة السيادية وخلق غطاء دولي لتدابير “فنية” (ترسيم، مراقبة، آليات تفادي الحوادث)، رغم علم بعبدا الاكيد، ان أي مسار تفاوضي عملي يتطلّب بناء توافق داخلي أو على الأقل آليات لجعل “الطرف الثالث” الضامن (الأمم المتحدة/وسيط إقليمي) جزءاً من العملية لتخفيف حساسية الفاعلين المحليين.

هنا يطرح السؤال الاساس: هل انطلقت بعبدا في طرحها من الرهان على موقف للحزب يحاكي تجربة الرئيس ميشال عون في ملف ترسيم الحدود البحرية، مع اختلاف الظروف؟

٢- المنظور الإسرائيلي: حساب المكاسب والمخاطر:

من جهتها، تنظر تل أبيب، في ضوء خطاب الكنيست والبيئة الأمنية الجديدة، إلى التفاوض كفرصة لتثبيت مكاسب أمنية في جنوب لبنان، ومنع استخدامه كمنصة لعمليات مستقبلية، مع الحفاظ على ضغطها الاستراتيجي على الخصم.

في المقابل، يطرح أي تنازل إقليمي أو حدودي تساؤلات داخلية حول الأمن القومي، الخاضع  للثوابت السياسية للحكومة الإسرائيلية والموازين الحزبية.

لذلك من المرجح أن تفضّل إسرائيل اتفاقيات تقنية ومؤقتة تضمن آليات رصد واحتياطات فنية أكثر من تسويات سياسية جوهرية.

٣- الفاعلون الإقليميون والضامنون الدوليّون:

لا يمكن فصل أي حلّ لبناني – إسرائيلي عن دور وسطاء إقليميين (مصر، قطر)، رعاة التسوية الرئاسية،  والمنظمات الدولية (الأمم المتحدة). هؤلاء الفاعلون يقدمون شرعية وآليات تمويل ومراقبة قد تلعب دوراً حاسماً في تهدئة المخاوف اللبنانية من التفرد الأميركي أو الإقليمي.

كما أن مساهمة وساطة متعددة الأطراف تزيد من فرص قبول داخلي لبناني وتجعل الحل أقل عرضة للتقلبات السياسية في بلدٍ واحد.

٤- متغيرات الحلبة الداخلية اللبنانية:

تحدد فعالية أي انخراط تفاوضي لبناني، عدة متغيرات داخلية:
أ- موقف حزب الله وما إذا كان سيقبل ضوابط تحفظ له دور النفوذ.
ب- جاهزية السلطات السياسية الدستورية لتقديم خطاب موحّد.
ج- حالة الرأي العام اللبناني الذي قد يتباين بين مطالبة بالسلام ورفض أي تنازل دون مكاسب ملموسة.

عليه فان أي تباين في هذه المتغيرات يرفع سيناريو الأزمة أو يحدّ من إمكان التقدّم.

٥- ديناميكا التفاوض: مسار مرحلي أم شامل؟

القراءة الاستراتيجية تشير إلى أن المسار الأكثر واقعية يتخذ شكلًا مرحليًا: تبدأ مفاوضات تقنية (خرائط ترسيم، آليات تبادل معلومات، قواعد اشتباك)، تتبعها آليات مراقبة دولية وتجريبية لها قابلية للتصعيد أو التوسيع.

اما المسار الشامل، الذي يشمل قضايا سيادية كبيرة، كقطع نفوذ مسلح داخلي أو ترتيبات أوسع للسلام يحتاج إلى تراكم ثقة زمنية وضمانات داخلية وإقليمية يصعب تحقيقها دفعة واحدة.

٦- محددات النجاح وفشل المسار:

نجاح المسار يعتمد على ثلاثة محددات:

أ- قدرة بيروت على بناء إجماع داخلي أو على الأقل ضمان عدم انفجار الجبهة الداخلية.
ب- ضمان مشاركة متعددة الأطراف للوسيط لتقديم حوافز ومخارج.
ج- مرونة إسرائيلية تكفي لقبول حلول تقنية تُقلل من نقاط الاحتكاك.

أما فشل المسار فحتمي إذا ما استُبعدت الفاعلون الداخليّون الرئيسيون أو إذا ما استخدمت العملية سياسياً لتحصيل مكاسب آنية دون حلول مؤسساتية دائمة.

٧- مؤشرات عملية للمراقبة:

أ- موافقة الأطراف اللبنانية الرسمية على إطار تفاوضي موحد.

ب- قبول إسرائيل بمراقبة دولية أو آليات حيادية لخطوط الاشتباك.

ج- موقف حزب الله (سرب أو تصريح علني/ضمني) من أي تفاهمات.

ج- مشاركة ضامن إقليمي (مصر/فرنسا/الأمم المتحدة) بشكل فعال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى