
خاص – بيروت بوست
في تقدير الموقف لانعكاس الخلاف السعودي – الإماراتي على الوضع في لبنان، لا بد من الانطلاق من أن هذا الخلاف، وإن بقي حتى الآن مضبوط الإيقاع وغير مُعلن بصيغ صدامية، إلا أنه تحوّل إلى عامل إقليمي مؤثّر، ينعكس بشكل غير مباشر ولكن ملموس على الساحات الهشّة، وفي مقدّمها لبنان.
أولاً، طبيعة الخلاف وحدوده:
الخلاف السعودي – الإماراتي لا يقوم على قطيعة استراتيجية، بل على تباينات في الأولويات والأدوات: السعودية تميل إلى مقاربة أكثر حذراً ومؤسساتية في إدارة ملفات الإقليم، بينما تعتمد الإمارات سياسة أكثر براغماتية ومرونة، تقوم على توسيع النفوذ الاقتصادي والأمني حتى في مناطق متنازع عليها. هذا التباين ظهر بوضوح في اليمن، وفي العلاقة مع الولايات المتحدة، وحتى في إدارة ملف التطبيع مع إسرائيل. هذه الخلفية تنعكس على لبنان من زاوية غياب الرؤية الخليجية الموحدة تجاهه.
ثانياً، لبنان كضحية فراغ لا كضحية صراع مباشر:
على عكس مراحل سابقة، لا يُستخدم لبنان اليوم كساحة صراع مباشر بين الرياض وأبوظبي، بل كملف ثانوي متروك لسياسة “إدارة الحد الأدنى”، فالسعودية خفّضت منسوب انخراطها السياسي المباشر في الشأن اللبناني، ربطاً بإحباطها من توازنات الداخل ونفوذ حزب الله، في حين لا تُبدي الإمارات حماسة لملء هذا الفراغ سياسياً، مكتفية بعلاقات انتقائية ذات طابع أمني أو اقتصادي محدود. النتيجة هي فراغ عربي في لبنان، لا تنافساً عربياً عليه.
ثالثاً، انعكاسات سياسية مباشرة:
هذا التباين الخليجي يُضعف أي إمكانية لتشكيل مظلة دعم عربية متماسكة للبنان، سواء في ملف الاستحقاقات الدستورية (رئاسة، حكومة)، أو في ملف الإصلاحات. فالقوى اللبنانية التي كانت تراهن تاريخياً على دعم خليجي موحّد تجد نفسها اليوم أمام رسائل ملتبسة، ما يزيد من تشرذم القرار الداخلي ويُضعف قدرة أي محور لبناني على فرض تسوية شاملة.
رابعاً، الأثر الاقتصادي والمالي:
الخلاف السعودي – الإماراتي ينعكس اقتصادياً عبر غياب مبادرات إنقاذية خليجية مشتركة للبنان. فالسعودية تشترط إصلاحات سياسية عميقة وضبط دور حزب الله، بينما تتحرّك الإمارات بمنطق استثماري انتقائي لا يرقى إلى مستوى دعم شامل للاقتصاد اللبناني. هذا الواقع يُبقي لبنان رهينة المؤسسات الدولية وشروطها القاسية، من دون شبكة أمان عربية فاعلة.
خامساً، البعد الأمني والإقليمي:
في ظل هذا التباين، يتحوّل لبنان إلى ساحة انتظار لنتائج التسويات الإقليمية الأكبر، لا سيما بين واشنطن وطهران. فغياب التنسيق السعودي – الإماراتي حول لبنان يسهّل تمدّد أدوار إقليمية أخرى، ويُضعف القدرة العربية على التأثير في معادلة السلاح والحدود والاستقرار.
خلاصة تقدير الموقف:
الخلاف السعودي – الإماراتي لا يُهدّد لبنان بصدام مباشر، لكنه يفاقم أزمته عبر تعميق العزلة العربية وتركه في منطقة رمادية: لا هو أولوية إنقاذ، ولا هو ساحة مواجهة.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى لبنان الخاسر الأكبر من أي تصدّع، ولو محدود، في الموقف الخليجي، ما لم ينجح داخلياً في إنتاج تسوية تُعيده إلى خانة الاهتمام العربي الفاعل، لا الانتظار الطويل.





