نزاعات وصراعاتإقليميدولي

تقدير موقف | دور ايران في اتفاق غزة

خاص – بيروت بوست

في لحظة إقليمية مشحونة ومليئة بالتحولات، برز الدور الإيراني كأحد العوامل الخفية، ولكن الحاسمة، التي ساعدت على تهيئة الأرضية لإنجاح مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول غزة، والتي انتهت بإعلان وقف الحرب.

فعلى الرغم من أن طهران لم تكن طرفاً معلناً في المفاوضات، فإن بصماتها ظهرت بوضوح في الميدان والسياسة، من خلال إدارتها الذكية لتوازن الردع بين محور المقاومة من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية.

١- تحوّل في المقاربة الإيرانية

واضح ان ايران، التي رأت في بداية الحرب، في معركة غزة، فرصة لتثبيت معادلة الردع الإقليمي عبر دعم حماس، الجهاد وحزب الله، قرأت بدقة التوازنات بعد أشهر من الاستنزاف، اذ مع ازدياد الضغط الإنساني في غزة وارتفاع كلفة المواجهة على حلفائها، اتخذت طهران قراراً استراتيجياً بتوجيه محور المقاومة نحو تهدئة مدروسة، تُبقي أوراق القوة بيدها، لكنها تمنع الانهيار الكامل في غزة أو انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة مع إسرائيل.

هذا التحول لم يكن تراجعاً بقدر ما كان إعادة تموضع تكتيكي يخدم هدفاً استراتيجياً: تثبيت الاعتراف بمحور المقاومة كلاعب لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية.

٢- الاتصالات غير المباشرة مع واشنطن

فتحت إيران، عبر وسطاء خليجيين وأوروبيين، قنوات تواصل غير مباشرة مع إدارة ترامب، خلال الأسابيع التي سبقت الإعلان عن المبادرة. هذه القنوات سمحت بتبادل “ضمانات أمنية محدودة”، أبرزها:

-التزام إيران بضبط الجبهات الإقليمية (خصوصاً جنوب لبنان والعراق واليمن)،
– تعهد أميركي بعدم توسيع العمليات العسكرية ضد الفصائل الموالية لطهران.
– فتح نقاش لاحق حول رفع بعض العقوبات الجزئية إذا ثبت نجاح وقف النار.

بهذا المعنى، شكلت إيران شريكاً صامتاً في صياغة البيئة الأمنية والسياسية التي جعلت مبادرة ترامب ممكنة التنفيذ.

٣- الانضباط المحسوب للمحور

على الصعيد الميداني، لعبت طهران دوراً حاسماً عبر ضبط إيقاع الجبهات المرتبطة بها:

حزب الله التزم بسقف “الصبر الاستراتيجي”.
– الميليشيات العراقية امتنعت عن استهداف القواعد الأميركية.
– أنصار الله في اليمن، حيدت واشنطن عن حربها ضد اسرائيل في البحر الأحمر.

هذا الانضباط لم يكن تلقائياً، بل جاء نتيجة توجيهات مباشرة من الحرس الثوري، بهدف إظهار أن طهران قادرة على التحكم في وكلائها، وبالتالي قادرة على منح “هدية استراتيجية” للولايات المتحدة عبر تسهيل الهدنة.
٤- المكاسب الإيرانية

رغم أن المبادرة تحمل اسم ترامب، إلا أن إيران خرجت من المشهد بمكاسب ملموسة:

– اعتراف ضمني بوزنها الإقليمي: واشنطن لم تستطع تمرير المبادرة دون مراعاة الموقف الإيراني.
– تحسين العلاقات مع بعض دول الخليج، التي رأت في الموقف الإيراني “عقلانياً” مقارنة بالتوقعات السابقة.
– إعادة فتح قنوات خلفية مع واشنطن يمكن أن تُستخدم لاحقاً في مفاوضات نووية جديدة أو تفاهمات أمنية إقليمية.

٥- القراءة الاستراتيجية العامة

يبدو أن إيران نجحت في تحويل تهديد الحرب إلى فرصة دبلوماسية، فبينما كانت تُتهم بتأجيج الصراع، استطاعت أن تظهر كعنصر توازن ضروري لوقفه. لقد استخدمت أدواتها بذكاء، من دون أن تُضحي بخطابها المقاوم أو تُظهر تنازلاً سياسياً واضحاً.
بهذه المقاربة، رسخت طهران معادلة جديدة في الإقليم:
“لا تسوية من دونها، ولا حرب تُخاض ضدها إلا بموافقتها”.

عليه، فان مبادرة ترامب التي أنهت حرب غزة قد تُنسب إلى الدبلوماسية الأميركية من حيث الشكل، لكنها من حيث المضمون تُعدّ نتاج توازن ردع ساهمت إيران في هندسته، باعتراف الرئيس ترامب نفسه الذي شكر طهران على دورها الايجابي للوصول الى الاتفاق.

لقد لعبت طهران دور “الضامن غير المعلن” لإنجاح الهدنة، ونجحت في قلب المعادلة من عدو إلى شريك ضروري في إدارة الأزمات الإقليمية، لتكون بذلك، قد فتحت لنفسها باباً جديداً نحو شرعية دولية غير مباشرة، من بوابة غزة، ومن خلال مبادرةٍ تحمل اسم خصمها السياسي الأكبر، دونالد ترامب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى