خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

تقدير موقف | تحليل تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف

خاص – بيروت بوست

في ظل التصعيد الإقليمي المتسارع، والتحولات الجذرية التي يشهدها ميزان القوى في الشرق الأوسط، جاءت تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، لتشكل رسالة استراتيجية مزدوجة الاتجاه: أولاً، باتجاه الداخل الإيراني ومحور المقاومة، حيث تؤكد استمرارية الدعم العسكري واللوجستي لحزب الله رغم الصعوبات، وثانياً، باتجاه إسرائيل والولايات المتحدة الاميركية، كمؤشر على تمسك طهران “بحليفها الميداني” على الساحة اللبنانية كسلاح ردع ومساومة إقليمية.

تصريحات قاليباف، والتي تنفي وجود طريق “مسدود بالكامل” لإيصال السلاح إلى حزب الله، تعبّر بوضوح عن تموضع إيران في معادلة الصراع، وإدراكها لتحديات المرحلة، دون أن يعني ذلك تراجعًا عن دعم الحزب، الذي وصفه بـ”الأكثر حيوية من أي وقت مضى”. فالرسالة تأتي في وقت بالغ الحساسية، مع تصاعد الضغوط الغربية على لبنان لحصر السلاح بيد الدولة، وتكثيف المساعي لإعادة هيكلة التوازنات السياسية والعسكرية جنوبا.

من هنا، تحمل هذه التصريحات أبعادًا استراتيجية عميقة، تتقاطع مع الديناميات الإقليمية المرتبطة بالملف النووي الإيراني، والتطبيع العربي – الإسرائيلي، عاكسة، في توقيتها ومضمونها، تمسك طهران بموقع حزب الله كركيزة أساسية في “منظومة الردع” ضد إسرائيل، وفي الوقت نفسه، إدراكها لحجم التحديات اللوجستية والسياسية المتزايدة، سواء من خلال الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، أو من خلال الحصار الاقتصادي المفروض على لبنان والمنظومة الداعمة للحزب.

وعليه، يتطلب تحليل هذه التصريحات قراءة استراتيجية متأنية لما تحمله من مؤشرات على مرحلة إعادة تموضع إيراني مدروس، لا تستبعد التصعيد، لكنها تسعى إلى تثبيت قواعد اشتباك جديدة على المستوى الإقليمي، يكون لبنان جزءًا أساسياً منها.

فماذا في تفاصيل ما قال؟

١- البعد اللوجستي والعسكري:

نفي قاليباف لوجود “طريق مسدود بالمطلق” لإيصال السلاح إلى حزب الله، مع الإشارة إلى “صعوبات”، يحمل دلالة واضحة على أن خطوط الدعم الإيراني للمقاومة اللبنانية لا تزال تعمل، ولكنها لم تعد كما كانت سابقًا. وهذا يعكس تأثير الضربات الإسرائيلية المتكررة في سوريا، والتشديد الدولي على الممرات اللوجستية، خصوصًا الجوية والبرية منها.

لكن الأهم هو أن إيران لا تزال قادرة على إيجاد “طرق بديلة”، قد تشمل:
أ- تصنيع بعض الذخائر محليًا داخل لبنان.
ب- الاعتماد على منظومات تهريب بحرية أو تجارية غير مباشرة.
ج- تعزيز قدرات الحرب الإلكترونية والتكتيكات غير التقليدية بدلًا من الأسلحة الثقيلة.

٢- التأكيد على حيوية حزب الله:

قوله إن “حزب الله أكثر حيوية من أي وقت مضى” ليس مجرد توصيف معنوي، بل هو رسالة ردع بأن الحزب لم يتآكل كما تأمل بعض القوى الدولية. وهو يعكس:

أ- الحزب ما زال يتمتع بقوة عقائدية وتنظيمية متماسكة، رغم التحديات المالية والسياسية.
ب- التماسك الداخلي يعكس نجاحًا في احتواء الضغوط الشعبية بعد الأزمة الاقتصادية والانقسام السياسي في لبنان.
ج- من الناحية العسكرية، الحزب لم يتراجع بل يُعيد بناء وتطوير منظوماته، ربما مع تركيز أكبر على أسلحة دقيقة، وصواريخ متقدمة، والطائرات المسيّرة.

كل ذلك يعني أن محاولات إنهاك الحزب عبر العقوبات أو التحريض السياسي لم تؤد إلى نتائج حاسمة، رغم الضغوط.

٣-التحديات التي أقر بها قاليباف:

اعترافه بأن “هناك تحديات”، يُعتبر أول اعتراف رسمي من مستوى رفيع في إيران بأن الحزب يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية، تشمل التحديات التالية:

أ- أزمة الثقة السياسية داخليًا في لبنان.
ب- تراجع التمويل نتيجة العقوبات.
ج- الاستنزاف الإعلامي والنفسي في ظل بيئة دولية معادية.
د- خطر المواجهة المفتوحة مع إسرائيل في ظل توازن ردع دقيق.

٤- “إسرائيل لم تنتصر”:

تشديده على أن “الكيان لم يتغلب على الحزب” رغم عمليات البيجرز (التي قد ترمز لهجمات دقيقة أو اغتيالات) يهدف إلى:

أ- تعزيز الردع المعنوي لدى جمهور الحزب ومحور المقاومة.
ب- التأكيد أن الخسائر الفردية أو التكتيكية (كاغتيال قيادات) لم تؤدِ إلى شلل استراتيجي.
ج- دعوة ضمنية للمزيد من الحذر واليقظة، مع الإيحاء بأن الرد قادم ولو في توقيت مناسب.

وهنا البعد الردعي في كلامه، الذي يتقاطع مع خطابات أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم نفسه، بأن قواعد الاشتباك لم تُكسر، وأن “الرد وارد دائمًا”.

٥- أبعاد التوقيت:

التصريحات جاءت في ظل:

أ- تصاعد الحديث الدولي عن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
ب- وصول دعم أميركي مشروط للجيش اللبناني.
ج- تحريك ملفات تفاوضية غير مباشرة بين إسرائيل ومحور طهران.
د- تصاعد الحديث عن تسوية إقليمية تشمل سوريا ولبنان.
ه- اشتداد الضغوط الدولية على إيران بعد استئناف العقوبات.
و-محاولة واشنطن وحلفائها استثمار الوضع الاقتصادي في لبنان لإضعاف دور حزب الله سياسيًا وأمنيًا.

الخلاصة الاستراتيجية:

يؤكد كلام قاليباف  أن المواجهة بين محور المقاومة وإسرائيل مستمرة في البُعد غير المعلن، وأن إيران لا تزال تعتبر حزب الله ذراعًا أساسياً في استراتيجيتها الدفاعية والهجومية الإقليمية، رغم كل الضغوط. في المقابل، تعترف طهران بأن المرحلة صعبة ومعقدة، لكنها تراهن على صمود الحزب وتجذّره.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى