
خاص – بيروت بوست
بوصفنا أمام عملية عسكرية أميركية نوعية ضد تنظيم “داعش” في الداخل السوري، تحت مسمّى «عين الصقر»، يبرز سؤال مركزي في بيروت: هل يتأثر لبنان بهذه العملية؟ وكيف؟
الجواب المختصر: نعم، سيتأثر، لكن طبيعة التأثير غير مباشرة، أمنياً واستخباراتياً وسياسياً أكثر مما هي عسكرية مباشرة.
أولاً: البعد الأمني – الاستخباراتي:
التهديد الأكثر حساسية للبنان يتمثل في إعادة تموضع خلايا داعش. تاريخياً، كلما تعرض التنظيم لضربات مركّزة في سوريا، لجأ إلى:
– التشتت بدل المواجهة المباشرة
– الانتقال نحو المساحات الرخوة أمنياً
– تفعيل خلايا نائمة أو أفراد “ذئاب منفردة”
فلبنان، بحكم حدوده الطويلة والمتداخلة مع سوريا، يبقى ساحة محتملة:
– محاولات تسلل عبر المعابر غير الشرعية
– إعادة تنشيط شبكات لوجستية قديمة في بعض المناطق الحدودية أو الهشة اقتصادياً
– خطر عمليات أمنية محدودة أو رمزية، هدفها إثبات “الوجود” لا السيطرة
لكن في المقابل، يجب تسجيل نقطة أساسية:
الأجهزة الأمنية اللبنانية اليوم أكثر جهوزية وخبرة مقارنة بمرحلة 2014–2017، والتنسيق الاستخباراتي الدولي، لا سيما مع واشنطن، يشكل عامل ردع فعّال.
ثانياً: الحدود الشرقية… اختبار يقظة لا ساحة مواجهة:
عملية “عين الصقر” لن تتحول إلى حرب مفتوحة، بل هي ضربات دقيقة قائمة على المعلومات الاستخباراتية. وهذا يعني:
– لا موجات نزوح كبرى فورية نحو لبنان
– لا ضغط عسكري مباشر على الحدود اللبنانية.
في المقابل ستتحول الحدود الشرقية إلى خط مراقبة حساس
أي فراغ أمني موضعي في الداخل السوري قد ينعكس حركة مشبوهة باتجاه البقاع.
هنا، يصبح دور الجيش اللبناني محورياً، ليس في المواجهة، بل في المنع الاستباقي.
ثالثاً: البعد السياسي – لبنان خارج الاشتباك… لكن داخل الحسابات:
واشنطن، من خلال هذه العملية، توجه رسائل متعددة:
– عودة أولوية ملف الإرهاب بعد انشغالها بملفات كبرى (أوكرانيا، غزة، الصين)
– تثبيت حضورها العسكري – الاستخباراتي في سوريا
– منع أي قوى إقليمية من ملء فراغ “داعش” لصالح أجنداتها
بالنسبة للبنان:
لن يكون جزءاً من العملية ولا هدفاً لها، لكنه سيُدرج ضمن خريطة الاستقرار الواجب حمايته. لذلك سينظر لاي اهتزاز أمني داخلي على انه فشل في “تحصين الخاصرة اللبنانية”
وهذا قد يترجم:
– زيادة دعم استخباراتي وتقني للجيش وقوى الأمن
– ضغط سياسي غير مباشر لمنع أي تساهل مع بيئات حاضنة للتطرف
رابعاً: هل من خطر توسّع أو تصعيد؟
المعطيات تشير إلى أن:
– العملية محدودة الأهداف، اذ لا نية أميركية لتوسيع الاشتباك
– التركيز على “قطع الرأس” لا خوض حرب استنزاف
بالتالي:
– لا سيناريو حرب إقليمية بسبب “عين الصقر”
– لا احتمال لضربات داخل لبنان
لكن الخطر الحقيقي هو الأمني الصامت:
عمليات صغيرة، تسلل، تحريض، أو محاولات خرق معنوي.
خامساً: تقدير موقف ختامي
– لبنان سيتأثر أمنياً – استخباراتياً، لا عسكرياً
– الخطر الأساسي هو إعادة انتشار فلول داعش، لا المواجهة المباشرة
– الجهوزية الأمنية الحالية قادرة على الاحتواء إذا استُكملت باليقظة السياسية
– العملية قد تشكل فرصة لتعزيز الدعم الدولي للبنان أمنياً، إذا أُحسن استثمارها
سادسا: الخلاصة الاستراتيجية:
“عين الصقر” لا تستهدف لبنان، لكنها تختبر مناعته.
والنجاح اللبناني لا يكون بالتصعيد أو القلق، بل بالهدوء، الاستباق، ومنع أي فراغ أمني يمكن أن يتحول إلى ثغرة قاتلة.


