خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

تقدير موقف | براك يعلنها بصراحة: السلطة اللبنانية تتلاعب

خاص – بيروت بوست

في سياق متسارع من التحولات الإقليمية والدولية، جاءت تصريحات الموفد الرئاسي الاميركي توم براك، لتكشف عن تصعيد نوعي في الخطاب الأميركي، تجاه السلطة اللبنانية بكل مكوناتها.

ففي مقابلة مع “سكاي نيوز عربية”، لم يتردد براك في استخدام لغة مباشرة وحادة، وصف فيها الحزب وإيران بـ”الأفاعي” التي يجب “قطع رؤوسها”، داعياً الحكومة اللبنانية إلى تحمّل المسؤولية والقيام بخطوة جريئة لنزع سلاح الحزب، ومقللاً في الوقت نفسه من قدرة الجيش اللبناني على تنفيذ هذه المهمة.

وتكمن أهمية هذا الخطاب في كونه يتجاوز التصريحات الإعلامية إلى رسم ملامح سياسة ضغط ممنهجة، تتلاقى مع المسار التصعيدي في المنطقة بدءاً من التصعيد الإسرائيلي جنوبا، وصولاً إلى إعادة ترتيب الأولويات الأميركية في الشرق الأوسط. فبراك، المعروف بقربه من دوائر القرار الجمهوري، يُعبّر بوضوح عن الذهنية السياسية التي قد تتحكّم في واشنطن خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الأميركية.

في هذا الإطار تطرح مجموعة من التساؤلات: هل بدأت فعلياً المرحلة الثانية من الضغوط على لبنان بعد فشل الأدوات التقليدية من عقوبات وحصار اقتصادي؟ وهل المقصود بهذه التصريحات التمهيد لفرض خيارات قسرية على الدولة اللبنانية؟ أم أن لبنان قد أُدرج في خانة الدول المعرقلة للمشروع الأميركي – الإسرائيلي الإقليمي، ما يستدعي معاملة خاصة؟

في هذا السياق، يصبح تحليل خطاب توم براك ضرورة لفهم الاتجاهات المقبلة في الاستراتيجية الغربية تجاه لبنان، أمرا ضروريا، خصوصا ان تصريحه ليس مجرد رأي شخصي، بل هو رسالة استراتيجية منسقة بعناية تحمل أبعادًا سياسية وعسكرية واقتصادية، يمكن تحليلها من خلال النقاط التالية:

1. تحديد الأهداف والتهديدات الاستراتيجية:

أ- “حزب الله عدونا وإيران عدوتنا ونحن بحاجة إلى قطع رؤوس هذه الأفاعي ومنع تمويلها”:   هذا التصريح يحدد بوضوح الأهداف الرئيسية للسياسة الأميركية في المنطقة. فهو لا يضع حزب الله كعدو منفصل، بل كـ”رأس أفعى” مرتبطة بـ”الأفعى الأم”، إيران. هذا الربط استراتيجي لأنه يبرر أي عمل ضد الحزب كجزء من مواجهة أوسع للنفوذ الإيراني. عبارة “قطع رؤوس هذه الأفاعي” تعني ضرورة التعامل مع هذه التهديدات بشكل جذري، وليس بالحلول الجزئية.

2. الموقف من إسرائيل ولبنان:

أ– “إسرائيل لديها 5 نقاط في جنوب لبنان ولن تنسحب منها”:  هذا الجزء يعكس موقفًا استراتيجيًا يدعم الوجود الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية، مما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة. هذه النقاط الخمس، والتي يُحتمل أنها تشير إلى مزارع شبعا أو نقاط أخرى متنازع عليها، تُقدم كأمر واقع لا يمكن تغييره.
أمر يخدم هدفين:
١- إرسال رسالة إلى إسرائيل بأنها تحظى بالدعم في الحفاظ على مواقعها.
٢- وضع ضغط إضافي على لبنان وحزب الله، الذي يعتبر هذه المناطق جزءًا من الصراع.

ب- “حزب الله يعيد بناء قوته وعلى الحكومة أن تتحمل المسؤولية”:   هذا التصريح يلقي باللوم على الحكومة اللبنانية، مما يضعها في موقف حرج. فهو يُبرز فشلها في السيطرة على الوضع الأمني، ويُحمّلها مسؤولية تزايد قوة حزب الله. هذا الضغط يهدف إلى دفع الحكومة اللبنانية للتحرك، أو على الأقل لتبرير أي إجراءات خارجية محتملة.

3. استراتيجية الضغط على الحكومة اللبنانية:

أ- “على الحكومة اللبنانية أن تعلن بوضوح أنها ستنزع سلاح حزب الله”: هذا هو الشرط الأساسي لإنهاء الأزمة. ليس المطلوب من الحكومة فقط العمل، بل الإعلان العلني عن هذا الهدف. هذا يخدم عدة أغراض:
١- إجبار الحكومة على اتخاذ موقف واضح، مما قد يؤدي إلى انقسام سياسي داخلي.
٢- إعطاء شرعية لأي عمل خارجي مستقبلي، بحجة أن الحكومة اللبنانية عاجزة أو متواطئة.

ب- “الجيش اللبناني منظمة جيدة ولكنه ليس مجهزا بشكل جيد”:  هذا التصريح يحمل رسالة مزدوجة. من جهة، هو إشادة بقدرات الجيش التنظيمية، لكن من جهة أخرى، هو تبرير لعدم قدرته على مواجهة حزب الله. هذا يفتح الباب أمام احتمالين:
١- تقديم مساعدات عسكرية للجيش لتعزيز قدراته.
٢- تبرير عدم التدخل الأميركي المباشر، بحجة أن الجيش اللبناني ليس جاهزًا للعمل بمفرده.
ج- “كل ما يفعله لبنان هو الكلام ولم يحدث أي عمل فعلي”:   هذا التصريح يزيد من الضغط على القيادة اللبنانية، ويعزز فكرة أنها غير جادة في التعامل مع الأزمة، مما يضعها في موقف ضعف على الساحة الدولية.

4. التهديد الاقتصادي والتحذير من التدخل المباشر:

أ- “خلال هذه الفترة تدفق إلى حزب الله ما يصل إلى 60 مليون دولار شهرياً من مكان ما”:   هذا الرقم المحدد (60 مليون دولار شهريًا) ليس عشوائيًا. إنه يخدم غرضين:
١- تحديد حجم المشكلة وخطورتها.
٢- التلويح بوجود معلومات استخباراتية دقيقة حول التمويل، مما يهدد بتوجيه ضربات اقتصادية ومالية لقطع مصادر التمويل هذه.

ب- “لن نتدخل لمواجهة حزب الله سواء من خلال قواتنا أو من خلال القيادة المركزية”:   هذا التصريح هو الأكثر تعقيدًا من الناحية الاستراتيجية. للوهلة الأولى، يبدو أنه استبعاد للخيار العسكري المباشر. لكن يمكن تفسيره بعدة طرق:
١- رسالة إلى إسرائيل: أن المسؤولية الأساسية في المواجهة العسكرية تقع على عاتقها، وأنها ستحظى بالضوء الأخضر والدعم غير المباشر.
٢- تجنب المستنقع: الولايات المتحدة لا ترغب في الانخراط في صراع جديد في الشرق الأوسط، لذا فهي تفضل العمل من خلال وكلاء.
٣- تحفيز الأطراف الداخلية: دفع الأطراف اللبنانية المعارضة لحزب الله إلى اتخاذ موقف أكثر حزمًا، خاصة بعد أن استبعدت القوة الأجنبية.

الخلاصة الاستراتيجية:

وفقا لما تقدم تصنف تصريحات توم براك في اطار  “استراتيجية ضغط متكاملة” تهدف إلى:
أ- عزل حزب الله: عبر ربطه بشكل مباشر بإيران ووضعه كتهديد إقليمي.
ب- إلقاء المسؤولية: على الحكومة اللبنانية للتعامل مع هذا التحدي.
ج- إعطاء الضوء الأخضر: لإسرائيل للتحرك عسكريًا في حال فشل الخيارات الأخرى.
د- تحديد الأولويات: وهي قطع التمويل عن الحزب، باعتبارها نقطة ضعف رئيسية.

هذه التصريحات بالتاكيد لا تُقدم حلًا مباشرًا، بل هي مرحلة من مراحل الضغط التي تهدف إلى تغيير ديناميكية الموقف في لبنان والمنطقة.

    اظهر المزيد

    مقالات ذات صلة

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    شاهد أيضاً
    إغلاق
    زر الذهاب إلى الأعلى