خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

تفاؤل عون .… بين الواقعية العسكرية والتشكيك السياسي

خاص – بيروت بوست

أثار التفاؤل الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية حيال ابتعاد شبح الحرب عن لبنان موجة تباين في التقديرات السياسية والإعلامية. ففي بلد اعتاد العيش على حافة الانفجار، يُقرأ أي خطاب مطمئن إما كرسالة تهدئة ضرورية، أو كموقف متفائل يتجاوز الوقائع الميدانية والإقليمية المعقدة.

من زاوية عسكرية صِرفة، يستند تفاؤل جوزاف عون إلى معطيات واضحة: غياب مؤشرات حاسمة على قرار إسرائيلي بالذهاب إلى حرب شاملة مع لبنان، واستمرار الاشتباكات ضمن قواعد اشتباك مضبوطة، إضافة إلى قنوات الاتصال غير المباشرة التي ما زالت تعمل لمنع الانزلاق نحو مواجهة واسعة. كما أن المؤسسة العسكرية اللبنانية تلتقط بواقعية إشارات دولية، ولا سيما أميركية، تُظهر حرصًا على منع توسّع الحرب، خشية تداعياتها الإقليمية غير المحسوبة.

غير أن هذا التفاؤل، في المقابل، يقع موضع تشكيك سياسي واسع. فخصوم هذا التقدير يرون أن ربط الابتعاد عن الحرب بعامل اللحظة لا يلغي أن عناصر التفجير ما زالت قائمة. فالجبهة الجنوبية لم تُغلق، والضربات المتبادلة مستمرة، وإسرائيل لم تُخفِ يومًا نيتها تغيير الواقع الأمني على حدودها الشمالية. وعليه، فإن غياب قرار الحرب اليوم لا يعني سقوطه من الحسابات غدًا.

التشكيك يتعزز أيضًا بفعل البعد الإقليمي للصراع. فلبنان ليس ساحة مستقلة، بل جزء من مواجهة أوسع تمتد من غزة إلى سوريا والعراق واليمن. فأي تطور كبير في هذه الساحات قادر على إعادة خلط الأوراق بسرعة. من هنا، يعتبر منتقدو التفاؤل أن الحديث عن “ابتعاد شبح الحرب” قد يكون توصيفًا لحالة مؤقتة، لا لاتجاه استراتيجي ثابت.

في البعد الداخلي، يُنظر إلى كلام عون بوصفه جزءًا من مسؤولية المؤسسة العسكرية في بث الطمأنينة ومنع الهلع، خصوصًا في ظل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. فالجيش، باعتباره آخر المؤسسات المتماسكة، يدرك أن أي خطاب تصعيدي قد ينعكس سلبًا على الاستقرار الداخلي.

إلا أن هذا الدور التطميني، برأي المشككين، لا ينبغي أن يتحول إلى قراءة سياسية متفائلة أكثر مما تحتمل الوقائع.
من هنا فان تفاؤل عون يعكس مقاربة حذرة تستند إلى معطيات ميدانية آنية، لكنه يبقى تفاؤلًا مشروطًا وقابلًا للاهتزاز. فشبح الحرب قد يكون ابتعد خطوة، لكنه لم يختفِ من المشهد اللبناني.

وبين الواقعية العسكرية والحذر السياسي، يبقى لبنان معلّقًا على توازن هش، تحكمه تطورات الخارج أكثر مما تصنعه قرارات الداخل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى