تداعيات الانتخابات الرئاسية الايرانية …. نظام الملالي إلى الوراء سر؟

إعداد بيروت بوست
في مقياس المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، جاءت نتائج التصويت، مغايرة لجميع التوقعات والأمال التي سعى إليها النظام وأجهزته الدستورية والمؤسساتية، عبر “الهندسة الانتخابية” التي رسمها المرشد الأعلى، في تأكيد على عدم اهتمام ورغبة الإيرانيين في مسايرة النظام ورفض أساليبه في معالجة الأزمات، واتساع مساحة الفساد المالي والسياسي.
هذه الوقائع الميدانية شكلت تأثيراً كبيراً على عدم نجاح العملية الانتخابية بشكل يوازي الطموح السياسي للنظام، رغم جميع الإمكانيات التي توفرت لها والدعايات الرسمية َوالتصريحات السياسية التي واكبت مرحلة التحضير لها، ومنها تدخل المؤسسة الدينية في توجيه المواطنين بضرورة الذهاب إلى مراكز الاقتراع واعتبار ذلك من الأمور الشرعية الدينية الواجب الالتزام بها، نظرا لعلم المرشد المسبق بان انتخابات “ضعيفة لن يستفيد منها أحد وسيتضرر الجميع”، ما يعني ارادته بأن تكون هذه الانتخابات إثباتا لشرعية النظام وأحقيته في استمراره.
مبدئيا، لن يحمل وصول بزشكيان، “المدروس والمطبوخ” الى الرئاسة، اي تغييرات لجهة اعتبار المرشد الأعلى هو الحاكم النهائي في جميع شؤون الدولة، لذلك فان أهداف بزشكيان المتواضعة، ستواجه مجموعة من التحديات، أبرزها: الحكومة الإيرانية التي ستبقى تحت سيطرة المتشددين، مشكلة الملف النووي واقتراب طهران من مستوى صنع الأسلحة النووية، نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وارتباطا مستقبل نفوذ طهران في المنطقة بعد حرب طوفان الاقصى ومعادلات التوازن الجديدة.
مع الاشارة الى أن فوز المرشح الإصلاحي لا يمكن أن يشكّل هزيمة لجليلي، مما يعني أنه سيتعين عليه التعامل بحذر مع السياسة الداخلية الإيرانية حيث لم يسبق للطبيب أن تولى منصباً أمنياً حساساً ورفيع المستوى.
في ظل استثنائية هذا المشهد، فقد ابرزت العملية الانتخابية مجموعة من الدلالات، أبرزها:
- استعادة التيار الإصلاحي الزخْم السياسي: أثبتت النتيجة أن الاصلاحيين يمتلكون حضورًا سياسيًّا، فضلا عن نجاحهم في استقطاب تأييد المعتدلين، رغم أن السماح لهم بخوض السباق بالأساس جاء برغبة من النظام.
- استمرار تدني نسبة المشاركة في الانتخابات: رغم حرص النظام على الوصول إلى نسبة مشاركة سياسية مرتفعة، فإن هذه النسبة مستمرة في الانخفاض بشكل ملحوظ، من 73%، خلال الدورة ١٢، لتصل في الانتخابات الحالية إلى 40%، ما يعني فشل المرشد في هندسة العملية الانتخابية، ما يعني ان دعوات خامنئي لم تجد لها صدى، لا سيما بين الأجيال الجديدة، وإلى استمرار تراجع شعبية النظام وشرعيته.
- تعزيز المتشددين داخل التيار المحافظ: بينما كانت تذهب استطلاعات الرأي إلى أن قاليباف، هو الأكثر حظًّا من جليلي، جاءت النتائج بعكس ذلك. مع الاشارة الى أن الانقسام الحاد في صفوف المحافظين كان أحد أسباب خسارتهم.
- إحباط الرأي العام والفشل في امتصاص الغضب الشعبي: وقد ظهر ذلك جليًّا في النتائج، ما يشير الى رفض النظام ككل، وفي جوهره يعني إحباطًا كبيرًا لدى الرأي العام الإيراني وفشل الانتخابات في امتصاص التوترات الداخلية والتعبير عن مطالب الناس.
- عدم تمثيل المرأة والمعارضة من خارج النظام: مُنعت النساء وأولئك الذين يدعون إلى التغيير الجذري من الترشح في الانتخابات.
- هيمنة الشأن الداخلي على الوعود الانتخابية: على الرغم من الوضع الإقليمي المتوتر على خلفية حرب غزة، والتصعيد الإسرائيلي–الإيراني، وتعثر الملف النووي، وأهمية وتأثير هذه التطورات في الداخل الإيراني.
في الخلاصة، يمكن القول إن خطة النظام لخلق منافسة بين التيارات الداعمة له لم تنطلِ على الناخبين، ولم تدفعهم إلى صناديق الاقتراع، ولهذا دلالاته على ان نسبة كبيرة من الشعب الايراني باتت تدرك حقيقة تبادل الأدوار التي يمارسها النظام.
عليه قد يواجه النظام تحديًا في ما يتعلق بسياساته الداخلية والخارجية، إذ ان “مقاطعة” الانتخابات، تشير إلى أن الاحتقان ما زال قائمًا، حيث عدم الرضا الواسع النطاق عن الأوضاع التي آلت إليها البلاد، والاخطر أن عزوف الأجيال الشابة عن المشاركة، قد يترجم حراكا في الشارع مع أي حادثة، كما حدث خلال الاحتجاجات التي شهدتها إيران على مدار السنوات الماضية.