تحليل استراتيجي لخطاب الشيخ نعيم قاسم

خاص – بيروت بوست
جاء خطاب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في ذكرى أربعينية الإمام الحسين ضمن سياق داخلي وإقليمي بالغ الحساسية، لا سيما بعد قرار الحكومة اللبنانية القاضي بحصر السلاح بيد الدولة. ولأن التوقيت لا يقل أهمية عن المضمون، فقد شكّل الخطاب ردًا متعدد الأوجه على هذا القرار، وعلى البيئة الإقليمية والدولية التي تواكبه أو تضغط باتجاهه.
أولاً: تثبيت المعادلة الدفاعية في مواجهة مشروع الحصر
الشيخ قاسم أعاد تأكيد “المعادلة الثلاثية” (الجيش والشعب والمقاومة) كمظلة استراتيجية لحماية لبنان، نافيًا أي شرعية لمحاولات نزع سلاح الحزب. قراءته للقرار الحكومي جاءت من زاوية اعتبار أن سلاح المقاومة ليس ملفًا داخليًا صرفًا، بل بندًا يتصل بتوازنات الصراع الإقليمي والدولي، وبالتالي فإن أي محاولة لتفكيكه تُفهم داخل الحزب كجزء من مشروع أميركي-إسرائيلي لضرب البنية الردعية في لبنان.
ثانيًا: التصعيد المبطّن مقابل التهدئة الشكلية
رغم حدّة الموقف الضمني من القرار الحكومي، تجنّب قاسم التصعيد العلني أو استخدام لغة تهديد مباشرة تجاه الدولة. هذا الخيار الخطابي يدلّ على مقاربة تكتيكية من الحزب: محاولة احتواء القرار سياسيًا وإعلاميًا، مع تحضير بيئة داخلية قابلة للرفض الميداني إذا تطورت الأمور. وهنا، يبرز تمسك الحزب بـ”المشروعية الشعبية” كعنصر حماية أساسي، مذكّرًا بشرعيته النابعة من “المقاومة والانتصارات”.
ثالثًا: رسائل موجهة إلى إسرائيل والغرب
بإعادة التشديد على قدرات المقاومة، وإعلان أن “السلاح هو الضامن”، أوصل قاسم رسالة ردع إلى إسرائيل بأن أي خطط لفرض أمر واقع في الجنوب، كما يحدث في بعض المواقع الحدودية، لن تمر. كما كانت رسالته موجهة إلى الولايات المتحدة التي تدفع باتجاه إعادة هيكلة المشهد الأمني اللبناني وفق معايير “الدولة القوية”، في محاولة لعزل المقاومة سياسيًا ونزع غطاءها.
رابعًا: استعراض التحالفات وتمتين الموقع الداخلي
إشارة قاسم إلى مواقف نبيه بري والتيار الوطني الحر تعكس قلقًا من تفكك التحالفات في لحظة مصيرية، خاصة مع تزايد الحديث عن “خيارات مسيحية” تعتبر سلاح الحزب عبئًا. عبر استحضار دعم حلفائه، يكرّس حزب الله نفسه كطرف سياسي ممسك بزمام التوازن الداخلي، ويؤكد أن المسّ بسلاحه لن يمر إلا على جثث التحالفات الكبرى.
خامسًا: قراءة إقليمية للصراع على السلاح
في نهاية الخطاب، شدد قاسم على أنّ “المقاومة بلغت ذروة القوة”، ملوّحًا بما يمكن تفسيره كجاهزية لأي مواجهة إقليمية، ليس فقط مع إسرائيل، بل أيضًا مع أي قوى محلية أو دولية تسعى لفرض تسوية أمنية على الحزب. وهنا، يتلاقى موقفه مع مواقف طهران التي اعتبرت أن الحديث عن نزع سلاح الحزب يُعيد التوتر إلى لبنان، وقد يؤدي إلى تفجير المشهد.
خاتمة: تموضع متماسك ومواجهة غير مباشرة
الخطاب في جوهره، هو وثيقة تموضع استراتيجي جديدة. حزب الله لا يزال يرفض القرار بالحوار، لكنه يجهّز أدوات الضغط الميداني في حال تطور الموقف. الرسائل موجهة للجميع: الداخل، إسرائيل، الولايات المتحدة، وحتى الحلفاء. لبنان مقبل على اختبار التوازن بين “منطق الدولة” و”منطق المقاومة”، والشيخ قاسم أعلن بوضوح أن الحزب جاهز لكليهما.