خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعات

برلين على خط بيروت – تل أبيب …. هذه هي الاسباب

خاص – بيروت بوست

في تطوّر دبلوماسي لافت وذي دلالات عميقة، قفز اسم ألمانيا فجأة إلى صدارة المشهد الإقليمي، بعد أن قرّرت برلين كسر صمتها الطويل والدخول على خطّ المفاوضات بين لبنان وإسرائيل. خطوة وُصفت في الأوساط السياسية بأنها أكثر من مبادرة رمزية، بل أقرب إلى محاولة المانية لملء الفراغ الدبلوماسي الذي خلّفه تراجع الدور الفرنسي في إدارة الملفات الشرق أوسطية الحساسة.

لكن ما الذي تريده برلين فعلاً من هذا الانخراط؟

واضح ان توقيت التحرك الألماني لا يقلّ أهمية عن مضمونه. فالمشهد الإقليمي يعيش حالة من الاختناق السياسي والأمني، وسط غياب شبه كامل للمبادرات القادرة على ضبط الإيقاع إدارة الأزمة اللبنانية – الإسرائيلية.

هنا، يبدو كأنّ ألمانيا قرّرت كسر النمط التقليدي الذي يربطها بالدبلوماسية الاقتصادية والإنسانية، لتدخل نادي اللاعبين السياسيين الكبار في الشرق الأوسط، ولو بحذرٍ محسوب.

فبرلين التي تُدرك أنّ استقرار شرق المتوسط بات مسألة حياة أو موت لأمن أوروبا الطاقوي، تخشى أن يؤدي أيّ اشتباك واسع على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية إلى توسيع رقعة الحرب وتفجير خطوط الغاز البحرية التي تراهن عليها القارة العجوز لتعويض النقص الروسي. لذا، اختارت ألمانيا أن تتحرّك “قبل فوات الأوان”، تزامنا مع التحرك المصري، في محاولةٍ للجم التدهور الميداني عبر مقاربة سياسية جديدة، أقل صخباً وأكثر واقعية.

لكن خلف هذا الحراك، ثمة أبعاد استراتيجية عميقة. فالمبادرة الألمانية ليست فقط تعبيراً عن طموح دبلوماسي، بل عن تحوّل في بنية الدور الأوروبي داخل المنطقة، في ظلّ التراجع الفرنسي، الذي تحوّلت معه برلين إلى “الوسيط الهادئ” الذي يحاول أن يبني لنفسه موقعاً بين الكبار، مستندة إلى شبكة علاقات متوازنة مع كلّ من إسرائيل، والأمم المتحدة، ولبنان الرسمي، وحزب الله.

مصادر دبلوماسية مطّلعة كشفت أنّ برلين لا تتحرّك بمعزل عن واشنطن وبروكسل، بل ضمن تنسيق غربي متقدّم لإعادة الإمساك بخيوط المنطقة بعد اهتزاز أدوات الضغط التقليدية. فبينما تراجعت المبادرات الفرنسية تحت وطأة فقدان الثقة من الأطراف اللبنانية وتبدّل المزاج الإقليمي، بدت ألمانيا وكأنها تملأ فراغاً متعمّداً، ساعية إلى اختبار فرص لعب دور “الوسيط الهادئ”، وهو الدور الذي تتقنه جيداً في ملفات النزاع المعقّدة، من إيران إلى أوكرانيا.

في المحصلة، لا يمكن اعتبار الخطوة الألمانية تفصيلاً عابراً. فهي تعكس تحوّلاً تدريجياً في مقاربة الغرب للملف اللبناني – الإسرائيلي، من إدارة أميركية مباشرة إلى توزيع الأدوار بين العواصم الأوروبية. وبرلين، التي طالما فضّلت البقاء في الظل، تبدو اليوم تبحث عن مقعد متقدّم على طاولة الشرق الأوسط، سواء كمسهّل تفاوضي أو كضامن أمني على المدى البعيد.

لكن تبقى الأسئلة مفتوحة: هل تملك ألمانيا فعلاً أوراق الضغط الكافية لتتحوّل إلى وسيط فعلي؟ أم أن زيارتها كانت مجرّد جسّ نبض سياسي في انتظار اتضاح مسار التسويات الإقليمية الكبرى؟
الجواب، كما يبدو، سيُكتب على ضوء التطورات في الجنوب اللبناني، حيث لا تزال كل المبادرات، مهما كَبُرت عناوينها، رهينة صاروخٍ قد يُطلَق أو تفاهمٍ قد يُبرَم في لحظةٍ مفصلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى