برأيناإقليمي

انتخابات بريطانيا …. نتيجة معروفة وتداعيات معقدة

إعداد نفس،

مع إعلان نتائج الانتخابات البلدية في أيار، بات بحكم المؤكد أن أي إنتخابات تشريعية في المملكة المتحدة، ستقود حتماً إلى تحقيق حزب العمال انتصاراً ساحقا، بعد ١٤ عاماً من احتلاله مقاعد المعارضة. اللافت أن التغيير في لندن جاء تزامناً مع ذلك الذي تشهده أوروبا ككل، وإن كان “بالاتجاه المعاكس”، ما يؤكد نظرية تأثير وتأثر بريطانيا بأوروبا، رغم خروجها من الاتحاد.

ومن العوامل الأساسية التي دفعت في هذا الاتجاه، التغيرات الديموغرافية التي شهدتها المملكة المتحدة خلال السنوات الأخيرة، مع تزايد عدد الناخبين الشباب الذين يميلون إلى دعم سياسات أكثر تقدمية، ما أعطى دفعًا لحزبي العمال والخضر. دون اسقاط الدور الهام للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، في توجيه الناخبين. يضاف إلى ما تقدم، الاعتراض على أداء الحكومة الضعيف في الكثير من الملفات.

ومن بين أبرز القضايا التي كانت محط اهتمام الناخبين في انتخابات ٢٠٢٤، قضايا الاقتصاد والتغير المناخي وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). فقد احتل الموضوع الاقتصادي مقدمة الأولويات، يليه ملف التغير المناخي، حيث زادت المطالب بإجراءات حاسمة لمواجهة التحديات البيئية. أما البريكست، فقد ظل موضوعًا حساسًا، حيث كانت هناك انقسامات عميقة حول كيفية إدارة العلاقات المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.

واستنادا الى الوعود الانتخابية الداخلية، يمكن استنتاج وجود حذر كبير من إمكان تحقيق حزب العمال، سياساته الداخلية، ما يمكن أن يتضح فيما يلي:

  • ملف ضبط الأمن في الشارع البريطاني: لم يحدد الحزب أرقاماً محددة لمعدلات الجريمة المُستهدف تقليصها، كما أنه لم يتعرض لمشكلات هيكلية مثل مدى قدرة المحاكم والسجون البريطانية على التعامل مع العدد الكبير من القضايا الموجود حالياً.
  • قضية الهجرة: على الرغم من إعلان حزب العمال عن نيته تخصيص مخصصات مالية ضخمة لضبط الحدود؛ فإنه لم يتعهد بالإيقاف الكلي للقوارب الصغيرة التي تعبر بحر المانش تجاه بريطانيا، والتي تُعد مصدراً رئيسياً للمهاجرين.
  • الاستثمار في الطاقة الخضراء: دفع حذر حزب العمال إلى تقليص خطته الخاصة باستثمار 26 مليار جنيه إسترليني، والنزول بها إلى ١٥ ملياراً.

ولكن، كيف ستؤثر عودة العمال على الاتجاهات السياسة الخارجية؟

فيما يخص السياسات الخارجية، يمكن استخلاص بعض الاتجاهات، حيث سيتبنى الحزب سياسة إيجابية مع الاتحاد الأوروبي بهدف حل عدد من القضايا الخلافية بين الجانبين، وتطوير التجارة والتعاون الأمني مع الاتحاد، كذلك توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت ستكون أحسن في ظل إدارة
ديمقراطية، وحلف الناتو، المساهمة بشكل فعال أكثر على الساحة الدولية، سيركز على نهج مركب تجاه الصين يشمل التنافس ومواجهة التحدي الدولي الذي تمثله بالتعاون مع الحلفاء، دون أن يغلق باب التعاون مع بكين في قضايا مثل التجارة والمناخ والصحة العالمية. المحافظة على دعم قوي لأوكرانيا ضد الغزو الروسي.

كذلك يتوقع ألا يتبنى حزب العمال، الاعتراف بفلسطين كدولة، بالرغم من موقفه التاريخي بالالتزام بمبدأ حل الدولتين. وعلى الرغم من تبني السياسة الرسمية لحزب العمال موقفا أكثر انتقادا لإسرائيل، إلا أن القيادة الحالية للحزب تميل لدعم تل أبيب في حرب غزة بشكل واسع. من هنا يميل حزب العمال لإعادة الاهتمام بالشرق الأوسط بعد سنوات من إهماله من قبل حكومات المحافظين، لكن ليس من الواضح إلى أي مدى سيكون هذا الاهتمام مؤثرا، وصداميا مع المشروع الأميركي، بما فيه في لبنان، في ظل الدور الفاشل الذي تورطت فيه لندن على الحدود الجنوبية.

يبقى، أن الأهمية التاريخية لهذه الانتخابات تكمن في تأثيرها المتوقع على السياسات المستقبلية في المملكة المتحدة. فالنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات ستحدد مسار البلاد في السنوات القادمة، سواء على مستوى السياسة الداخلية أو العلاقات الدولية.

في الخلاصة، ثمة من يعتقد أن حزب المحافظين المدرك لتراجع الأحوال الاقتصادية، خلال الأشهر القليلة المقبلة، قد وجد أنه من الأفضل أن تتم الانتخابات اليوم حتى لا يتعرض الحزب لخسائر أكبر في قواعده الشعبية، غدا، فدعا الى انتخابات مبكرة، في استنساخ للحالة الماكرونية.

اظهر المزيد

نَفَس

إسم وهمي لشخصية واقعية.... كاتبة ومحللة سياسية.... أسلوبها يجمع بين الجد والكاريكاتور... بلغة سهلة في متناول الجميع.... تتناول مواضيع الساعة التي تهم اللبنانيين.... قد تطل عليكم كل يوم وقد تغيب لأسبوع.... المهم أن تضع بتصرفكم المعلومة الصحيحة خدمة للحقيقة والمعرفة...

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى